عنوان الفتوى : من طلق زوجته طلقتين فهو أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها
تـونسي الجنسيّـة مسلم وحاج ولم أنقطع عن الصّلاة منـذ ثلاثة وعشرين عاما، و زوجتي جـزائرـيّـة. فلقد تأسّست علاقتنا على أساس عقد عمل. ثم أتت فكرة الزواج على سنـّة الله عزّ و جل و رسوله المصطفى الكريم. فبعد أخذ وردّ وقع زواجنا على بركة الله، وذلك على يد إمام بحضور الأب وموافقته. كنت حينئذ أترقـّب طلاقي من زوجتي الأولى التـونسيّة الجنسيّـة والتي كنت آنـذاك منفصلا عنها لمدّة خمسة سنوات. فـأصعب ما يتمنـّاه الرّجل في تونس هو الطـّلاق، إذ إن القانون التـّونسي منح للزّوجة حقوقا لا يتخيـّلها العقل الإسلامي.و أتت أخيرا و رقة الطـلاق المرغوب فيها منذ ما يناهز السنة. ومنذ ذلك الوقت صرنا نترقـّب الموافقة الأبويّة لكتب عقد الزّواج. فمنـذ البداية كنت ولا أزال زوجا مثاليّـا لم أرتكب أي شيء يذكر قد يتسبب في تعكير الجوّ العائلي، بل كنت ولا أزال أطنب في المعاملة الحسنة. أمـّا بالنسبة لسيرة زوجتي، فأنا أشهد أنها امرأة لا مثيل لها في إيمانها بالله و قدوتها الحسنة. بدأنا عشرتنا الزوجية على الأسس الإسلامية الصّحيحة، فكانت تدلـّني دائما إلى التقرّب إلى الله وكنت أشجّعها على عدم ترك الصلاة أحيانا. كنّا نعيش في وئام باستثناء مرّتين أغضبتني، الأولى وهي حائض فطلـّقتها ثمّ أرجعتها في يومها ثم علمت بعدها أن هذه الطـّلقة محرّمة، وكذلك مرّة ثانية ورجعت بعد يومين. فأقسم بأنـّني كنت مظلوما وقد أغضبتني غضبا شديدا. إنّ الواقعتين حدثتا في أوّل مشوارنا. ففي هذه الأثناء كان بعض أفـراد عـائلة زوجتي غير راضين على هذا الزواج غير المدعـّم بعقـد، فكانت دائما تشعر بعدم موافقة أبيها وهي تريد إرضاءه. فكنت ولا أزل أحرص على زيارة زوجتي لعائلتها عند كل فرصة قد تتوفـّر. عادت زوجتي هذه المرّة و طلبت منّي الطـّلاق قائلة أنـّها تلبية لأفراد عائلتها.فلم أكن أصدّق أنّ أحدا يطلب منها القيام بشيء يبغضه الله عزّ و جلّ، هذا في حالة توفـّر أسباب الطـّلاق، فإنّ الدّين الإسلامي يريـد الإصلاح و يأمـر بفعل كلّ ما هو بالوسع للتـّسوية بين الزّوجين، هذا في حالة وجود خلاف بين الزّوجين. فما بالكم إن لم يكن هناك خلاف قطّ. سورة النساء (128) فأتيت إلى أهل زوجتي لأتوسل منهم ترك هذا الأمر بقول الحق سبحانه و تعالى في سورة التوبة (107 فأجابني أبوها أن الكثير من أفراد العائلة غير راضين عن هذا الزواج، وأنّني كنت قد طلّقتها مرتين، فهي معتبرة مطلّقة لأنّه لا بدّ من موافقة وليّها لرجوعها، عندها أفصحت له الطـّلاق الرّجعي بقول الحق سبحانه و تعالى في سورة البقرة (231) و أخبرته أن إحدى الطلقتان كانت لاغية لأن زوجتي كانت حائضا. فقال لي أنّ في كل الأحوال يجب أن يتمّ هذا الطـّلاق. رجعت إلى بلدي والموت في قلبي و أحسست بالقهر والظـّلم. رجعت زوجتي إلى أهلها قالت أنه بطلب منهم، ثم خاطبتني هاتفيا قائلة أنّ كل شيء منته بيننا و أنّها مقتنعة كلّ الاقتناع بهذا القرار، و أنّ لها حبيب آخر تنوي التزوج به، و عندها أخبرتني أنها كانت ترفض الإجتماع معي في الفراش متعللة بمرضها. فإنها ليست مريضة، هكذا قالت و أنا أعلم أنها كانت مريضة فعلا. فلعلـّها أدّت بهذا التصريح خوفا ألاّ ترضي أباها الذي هو بدوره يعاني ضغوطات من أحد أولاده وزوجته فهي تعيب علي كبر سنـّي ولكم جزيل الشـّكر و أجركم إن شاء الله ثابت، و بقدرة السّميع العظيم سأزوركم قريبا لأضع قبلة فوق جبينكم الطـّاهر. جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت عقدت على هذه المرأة عقدا صحيحا اكتلمت فيه شروط النكاح المبينة في الفتوى رقم:1766. فلا شك أن هذه المرأة تعد زوجتك شرعا ولو لم يسجل النكاح في المحاكم، لأن ذلك لا يزيد النكاح شيئا غير التوثيق وهو أمر خير لو حصل ،هذا وقد اتضح أنك طلقت زوجتك مرتين إحداهما وقعت زمن الحيض وهي إن كانت محرمة فهي معتبرة على الصحيح من أقول أهل العلم. قال ابن قدامة في المغني: فإن طلقها للبدعة وهو أن يطلقها حائضا أو في طهر أصابها فيه أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم. اهـ. وبما أنك راجعتها خلال العدة في الطلقتين المذكورتين فلا حاجة لتجديد العقد ولا موافقتها أو موافقة وليها لقول الله تعالى: ِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ {البقرة: 228}. قال القرطبي: أجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة وكانت مدخولا بها طلقة أو طلقتين أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها وإن كرهت المرأة. ومن هذا يتضح عدم اعتبار ما ذكره والد هذه المرأة من عدم الموافقة على الرجعة.
وعلى العموم فلا تزال هذه المرأة زوجة لك ما دمت لم تطلقها الطلقة الثالثة، ولا يجوز لأحد التقدم لخطبتها فضلا عن التزوج بها. هذا وندعو هذه المرأة إلى أن تتقي الله تعالى وتعود إلى طاعتك، وعلى والدها أن يسعى في إرجاعها إليك، ولا يكون لها عونا على التمادي في العصيان والخروج عن طاعة الزوج فيدخل نفسه في الوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني. وحاصل الأمر أن هذه المرأة إذا تابت ورجعت إليك فبها ونعمت، وإن بقيت على عنادها فهي امرأة ناشز ينبغي رفع أمرها للقاضي إذا تعذر الحل الأسرى.