عنوان الفتوى : للمؤمن أسوة حسنه في الأنبياء والصالحين في مواجهة الابتلاء
اللهم لك الحمد بأن وجدت من أبوح له بسري ويوجهني فيما أعمل... وأرجو المعذرة لكثرة الأسئلة، ولكن لارتباط الموضوع ولتعقيده نوعا ما (لملازمته لي منذ الصغر)، أنا ابن لعائلة من غير السنة... ولكن ولله الحمد أنا سني، تقريبا منذ الصغر، والآن أنا أبلغ من العمر 28 سنة أهلي لا يعلمون عن ذلك وتقريبا لا أحد سوى الرحمن جل في علاه، ومدرس في الابتدائية ثم أنتم والله أعلم على كل حال، لديّ تقريبا ثلاث مشاكل بسبب هذا التوجه الصحيح... 1- أعلم أن الواجب علي نصح أهلي ودعوتهم إلى السنية ولكن أواجه صعوبة في ذلك الأمر، حيث إني منذ صغري وأنا مزعج أهلي بكثرة مشاكلي ووقوفهم بجانبي بشكل صحيح أو غير صحيح لجهل منهم في هذا المجال لأنها قد تكون مشاكل جديدة بالنسبة لهم، ولدي إحساس قوي بأني إذا أعلنت لهم عن حقيقة الأمر قد يصاب أبي وأمي بمشاكل صحية كبيرة إن لم تصل إلى السكتة القلبية والعياذ بالله، اللهم احفظهم وعافهم في الدنيا والآخرة ولمن يقرأ هذه المقال، أو يبتعد عني أهلي وربعي وجميع قبيلتي يتجنبني إن لم يصل الأمر إلى إيذائي أو قتلي (وأتوقع أن الأمر لن يصل إلى هذا بإذن الله)... مع أن أهلي وربعي هم أقرب الناس إلي والحياة بدونهم ستكون صعبة لأني تربيت وعشت معهم طول عمري (مع العلم بأن العائلات غير أهل السنة نوعا ما منعزلة بشكل كبير عن المجتمعات الأخرى لكي تكون التربية نوعا ما أقوى)، أرجو التوجيه. 2- من ناحية الزواج أهلي يريدون مني الزواج من بنت عمي ويضغطون علي في ذلك، وهي جميلة ومهذبة وتنتمي إلى نفس القبيلة، أي تفهم العادات والتقاليد والأساليب التي تربيت عليها منذ صغري... ولكني أخاف على أولادي حيث إني أحلم وأتخيل وأتمنى أطفالاً ملتزمين أقوياء في دينهم وطائعين لله ويبتغون مرضات الله في كل شيء في حياتهم وحافظين لكتاب الله وسنة نبيه من صغر سنهم... لكن من بنت عمي أخاف أو لا أعلم ما قد يحدث، حيث ستكون صلتي بعائلتي أكبر وسيكون وقع الحدث أقوى وأكبر، فقلت لأهلي بطريقة غير مباشرة لخوفي عليهم أنني لا أستطيع الزواج من بنت عمي لسبب لا داعي لذكره... فبدا الحزن والغضب إلى اليوم في العائلة... وأفكر في الزواج من بلد آخر حيث إن زواجي من قبيلة أخرى لن يكون سهلا مع مشاكلي المذكورة وبدون وجود والدي ووالدتي أو أهلي على الأقل، أرجو الإفادة ما العمل. 3- أنا أنتمي إلى عائلة أو قبيلة مشهورة ولله الحمد بالكرم والمروءة وكل الصفات الحميدة ولكن عيبها الوحيد المذهب الذي ينتمون إليه (ويا ليته عيب فقط من وجهة نظري) ولكي لا أفقد أصدقائي ولتكوين علاقات جديدة جيدة، لا أبلغهم عن اسم قبيلتي ولا إلى اسم المنطقة التي أنتمي إليها لكي لا يعلموا أن أهلي من غير أهل السنة أو ظنهم أني من غير أهل السنة ويفرون مني أو يتجنبوني وإلى غير ذلك... وهذه الطريقة التي اتبعتها لها تاثير على ظهوري في المجتمع أيضا حيث عدم إحساسي بالانتماء له تأثير واضح على أسلوب تفكيري وحياتي... أرجو التوجيه على ذلك، أرجو المعذرة على هذه الأسئلة المعقدة والغريبة... مع العلم بأني اختصرت فيها بشكل كبير ولم أذكر بعض الأحداث لتوقعي عدم تأثيرها الكبير على الإجابات بشكل واضح أو جذري، ولكن هذه القصة حدثت لي منذ صغري وهي متراكمة الأحداث ومعقدة في التفاصيل وحلولي المؤقته الخاطئة لصغر سني أو لجهلي عقدة الموضوع أكثر... وكذلك أسلوبي في الكتابة (زاد الطين بله!!!)؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئاً لك نعمة الهداية إلى الحق وهي نعمة تستوجب الشكر، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه.
ولا شك أنك في ابتلاء عظيم، ومن شأن المؤمن الصبر على البلاء، روى مسلم عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. فنوصيك بالصبر، فعاقبة الصبر خير الدنيا والآخرة.
واعلم أن هذه الحياة الدنيا دار فانية، وأن الآخرة هي الدار الباقية، ومن شأن المؤمن أن يؤثر الباقية على الفانية، وأن يؤثر الحق على الخلق، ولك أسوة حسنه في الأنبياء والمرسلين والفضلاء الصالحين، والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فنوصيك بقراءة سيرتهم، لمعرفة ما بذلوه من جهد مع قومهم، وما واجهوا من مصاعب في دعوتهم، وصبرهم على أذاهم، ونصر الله تعالى إياهم وجعله العاقبة لهم، قال الله تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا {الأنعام:34}، بل ومنهم من ترك الديار والأوطان والأموال وخرج مهاجراً فراراً بدينه، قال الله تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {الحشر:8}.
ومن أهم ما نرشدك إليه في هذا الصدد أن تتعلم العلم النافع المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتسلم من غوائل الشبهات، وأن تحرص على مصاحبة من هم على المنهج الحق الذي أنت عليه ليكونوا عوناً لك في سبيل الحق والسلامة من فتن الشهوات، ونوصيك بالتعاون معهم في القيام بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر على ما قد تجد من أذى في هذا السبيل، وإذا تعينت الهجرة سبيلاً للنجاة من الفتنة وجبت عليك الهجرة إلى بلد تأمن فيه على دينك ونفسك، ولك في رسول الله الأسوة الحسنة، فقد خرج من مكه مهاجراً وهي أحب البلاد إليه، روى أبو يعلى في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال: أما والله لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي، وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت.
وأما الزواج فاعلم أولاً أن رفضك الزواج ممن لا ترغب في الزواج منها ليس فيه عقوق لوالديك، ثم إن لك الحق في أن تتزوج من قبيلة أخرى أو بلد آخر، ولا شك أن موافقة والديك وأهلك وحضورهم هذا الزواج لو تم لكان أمراً حسناً، ولكن لا تترك الزواج لأجل عدم حضورهم أو عدم موافقتهم.
وأما عدم إظهارك الانتماء لهذه القبيلة لئلا تعير من قبل أصدقائك فلا حرج عليك فيه، وإذا سئلت عن شيء من ذلك فيمكنك الانتماء إلى القبيلة الأم والتي هي أصل لقبيلتك أو أن تستخدم شيئاً من التورية، دون أن تقع في الكذب الصريح أو الانتماء إلى قبيلة أخرى.
والله أعلم.