عنوان الفتوى : سجود الشمس ونزول الله جل جلاله
السلام عليكم هناك أحاديث نبوية شريفه لا أفهم معانيها انطـلاقا من المادة العلمية التي باتت لا شك فيها مثل نظام المجموعة الشمسية . هذه الأحاديث بالتحديد هي ما ذكر في أحد الأسئلة وهو قول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) لأبي ذر رضي الله عنه وقد غربت الشمس: أتدري أين تذهب؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : فإنها تذهب فتسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، فيوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها. أو قوله (ص) ما معناه أن الله جل جلاله ينزل في الثلث الأخير من الليل ويقول لعباده ادعوني. القارئ لهذه الأحاديث يفهم أن الشمس تغيب عن سطح الأرض في الليل أو أن هناك فترة الليل على سطح الأرض وفي واقع الحال أن الشمس تغيب على بقعة معينة من الأرض أو أن في كل ثانية جميع مراحل اليوم موجودة على سطح الأرض لكن في كل بقعة على الأرض في تعاقب منتظم كما تعلمون. سؤالي هو كيف نستطيع فهم هذه الأحاديث الشريفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن المعلوم بدلالة المشاهدة علما قطعيا لا شبهة فيه أن الشمس طالعة في كل وقت لا تغيب عن مكان إلا ظهرت في مكان آخر، وهذا لا ينافي سجودها تحت العرش، كما أن سجودها لا يعوقها عن الدأب في مسيرها والتصرف لما سخرت له، لأن الشمس خاضعة لمشيئة الله مثل كل المخلوقات، فتكون في دورانها خاضعة في جميع أحوالها ساجدة تحت العرش. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة، أو تسجد بصورة الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين. وقال الحافظ ابن حجر في موضع آخر: قال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن.. وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها. اهـ.
وقال الشيخ رشيد رضا: الشمس يصدق عليها أنها ساجدة تحت العرش بالمعنى الذي أثبت القرآن فيه سجود كل شيء لله عز وجل من الكواكب والشجر والنبات وغير ذلك، وذكرنا توجيها آخر لسجودها وهو أنه تمثيل لخضوعها في طلوعها وغروبها لمشيئة الله تعالى. اهـ.
أما نزول الرب سبحانه فثابت كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له. الحديث. رواه البخاري عن أبي هريرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف، بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهون فيه إليه، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله سبحانه وتعالى. اهـ.
وليس في نزول الله تعالى إشكال ولا يلزم منه أن يكون الرب تبارك وتعالى في السماء الدنيا في كل وقت، لأن هذا لازم للمخلوق ونزول الله عز وجل ليس كنزول خلقه، بل ينزل نزولا يليق به، والله عز وجل ليس كمثله شيء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الله سبحانه وتعالى قد نفى عن نفسه مماثلة المخلوقين له، فقال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
وقال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا. فأنكر أن يكون له سمي. وقال تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا {البقرة: 22}. وقال تعالى: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ {النحل: 74} وقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {الشورى: 11} ففيما أخبر به عن نفسه من تنزيهه عن الكفء والسمي والمثل والند وضرب الأمثال له بيان أنه لا مثل له في صفاته ولا أفعاله، فإن التماثل في الصفات والأفعال يتضمن التماثل في الذات، فإن الذاتين المختلفتين يمتنع تماثل صفاتهما وأفعالهما، إذ تماثل الصفات والأفعال يستلزم تماثل الذوات، فإن الصفة تابعة للموصوف بها، والفعل أيضا تابع للفاعل، بل هو مما يوصف به الفاعل، فإذا كانت الصفتان متماثلتين كان الموصوفان متماثلين حتى إنه يكون بين الصفات من التشابه والاختلاف بحسب ما بين الموصوفين. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 19332 ، وللفائدة راجع الفتاوى ذوات الأرقام: 46438، 50216، 58098
والله أعلم.