عنوان الفتوى : لا يهجر الأذان بسبب استهزاء الكافرين
صوت العويل هذا نسمعه في إستانبول وسمعه الصرب من المساجد التي بناها الأغنياء من الأعراب فأجّجوا الكراهية ضد المسلمين خمس مرات باليوم فلا يكادون نسيانهم عند الفجر يتذكرونهم عند الظهر ألخ... الخوف الآن على تركيا الأوروبية، والتي تود أن تجامع أوروبا فقبل سنة أو سنتين احتفل الأتراك بمرور خمسمائة ألف عام على "إفتتاح" إستانبول (القسطنطينية) على أنغام جعير المآذن وهم ساكنو النفس على بقائهم فيها متناسين أن العرب كانوا في الأندلس لثمانمائة عام، صوت الجعير هذا بإشراف الدولة التركية -نفس الدولة التي تحارب الحجاب وبينما معظم المساجد "عدا يوم الجمعة" خاوية تقريباً- المقصد هو أن صوت الأذان بالمكبرات لم يُرَوِّج للدين الإسلامي ولا لمصلحة المسلمين ولم يزداد عدد المصلين! بل من هم يعيشون بين المسلمين ازدادوا كرهاً واشمئزازاً من مجاورة المسلمين الجائرين! في حين نحن نعلم أن الرسول نهى أصحابه عن شتم آلهة المشركين لكي لا يشتموا الله، فكيف بالقائمين على أمر المسلمين اليوم يُقَرِّعون أسماع غير المسلمين بمكبرات الصوت المصنوعة في بلاد غير إسلامية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأذان شعيرة من شعائر الإسلام ومطلوب من المسلمين رفعه وإسماعه لأكبر عدد من الناس والجماد لأنها تشهد يوم القيامة لمن سمعته يؤذن، وليس فيه سب للكفرة، ولا يجوز هجر هذه الشعيرة لمجرد أن الكفار ربما سخروا منها، فقد قال الله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ {المائدة:58}، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: قوله: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا. قال: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: حرق الكذاب، فدخلت خادمة ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة فأحرقت البيت فاحترق هو وأهله. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وذكر محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة....أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال فأمره أن يؤذن، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب بن أسيد: لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه، وقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته، فقال أبو سفيان: لا أقول شيئاً لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم، فقال الحارث وعتاب نشهد أنك رسول الله! ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك. وقال الإمام أحمد حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرنا عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره -وكان يتيما في حجر أبي محذورة- قال: قلت لأبي محذورة: يا عم إني خارج إلى الشام وأخشى أن أسأل عن تأذينك، فأخبرني أن أبا محذورة قال له: نعم خرجت في نفر وكنا في بعض طريق حنين مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه، فقال رسول الله: أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم كلهم إلي وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني وقال: قم فأذن، فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله، ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله فألقى علي رسول الله التأذين هو بنفسه. انتهى.
والشاهد أنه وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من كان يتأذى بالأذان، وربما استهزأ به، ومع ذلك لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رفع الصوت بالتأذين، ونحن تبع له عليه الصلاة والسلام، ولو استجاب المسلمون لمطالب أعدائهم فإنهم سيتركون دينهم كله لأن أعداء الله لا يرضون من المسلمين إلا ترك دينهم واتباع ملتهم العوجاء، كما قال الله تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ {البقرة:120}
والله أعلم.