عنوان الفتوى : الولاية على مال المحجور عليه
هل يجوز لشارب الخمر أن يأخذ وكالة عن والدته منذ ثمان سنوات وهي مريضة بفقدان الذاكرة وعمرها 64 سنة ويتصرف في مالها بقصد الاستثمار ويكون وصيا عليها ولم يعمل عنها شيئا في هذه الدنيا، أبدا أنا ابنتها أرسلت عنها حجة لأنها كانت تريد الحج ولم يأخذها ثم مرضت في السنة التالية ولها منزل للإيجار ولها أسهم في الجمعية والآن ورثت من أخيها رحمه الله، وكل شيء بيده وأنا لا أستطيع أن أفعل شيئا وزوجته وأبناؤه يساعدونه على ذلك. جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يتضح لنا من نص السؤال هل هذه الوكالة صدرت قبل مرض أمك أو بعده، وهل هي صادرة بناء على حكم قضائي أم لا؟ وعلى كل حال، فإن حالة أمك تستدعي الحجر عليها، صيانة لمالها وحفاظا عليه من الضياع، لقوله تعالى: فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ{لبقرة: 282}.وفسر الشافعي السفيه: بالمبذر، والضعيف بالصبي والكبير بالمختل، والذي لا يستطيع أن يمل: بالمغلوب على عقله. فالله تعالى أخبر في هذه الآية أن هؤلاء ينوب عنهم أولياؤهم، فدل ذلك على ثبوت الحجر عليهم. وروى ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن المغيرة قال: كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن الشيخ الكبير الذي قد ذهب عقله أو أنكر عقله، فكتب إليه: إذا ذهب عقله أو أنكر عقله حجر عليه. قال ابن حجر في ( الفتح) : والجمهور على جواز الحجر على الكبير. وأما شرب أخيك للخمر، فلا شك أن ذلك معصية عظيمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل، فقال: يا محمد إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومستقيها. رواه أحمد وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح كما ذكر المنذري في الترغيب والترهيب. ورواه بنحوه أبو داود وابن ماجه، وراجع الفتوى رقم:1108. لكن الفسق لا يمنع من تولي الوكالة على المال، كما هو مذهب جمهور العلماء، إذ لوكان صلاح الدين شرطا في جواز التصرف في المال لكان الحجر على الكافر أولى من الحجر على الفاسق، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وهو وجه عند الشافعية. واستدلوا بقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ {لنساء: 6}. فلم تشترط الآية لدفع مال اليتيم إليه إلا شرطين اثنين: البلوغ والرشد، وفسر الجمهور الرشد بالصلاح في المال. واستدلوا أيضا بأن الأولين لم يحجروا على الفسقة، وبأن الفسق لا يتحقق به إتلاف المال ولا عدم إتلافه، أي لا تلازم بين الفسق وإتلاف المال. إلا إذا كان أخوك مبذرا لمال أمك غير حافظ له، أو كان مستعملا له في منافعة الخاصة، فيمنع حينئذ من الوكالة لسفهه أو لظلمه واعتدائه، لقوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا {لنساء: 5}. وأما إذا كان راشدا في تصرفاته المالية وغير ظالم لمن له حق في هذا المال، فلا يجوز منعه من الوكالة لمجرد فسقه. إلا أننا ننبه أن الحجر وما يترتب عليه من وكالة أو وصاية أمر خطير جدا وشائك، ولا بد من إحالته على المحاكم الشرعية، لتحقق في أسبابه، وتنظر فيمن يصلح للولاية على مال المحجور عليه، فلا يكتفى فيه بمجرد فتوى، بل المحاكم الشرعية هي التي تبت في مثل هذه النزاعات، ولا يجوز أن يحجر على شخص ويولى غيره على ماله إلا بحكم قضائي.