عنوان الفتوى : إمامة المرأة وأذانها وكونها خطيبة للجمعة
يا شيخ هل يجوز للمرأة أن تؤم الناس في الصلاة ؟ وما مدى صحة القول التالي : -( قضية الإمامة في الصلاة تنحصر في أن جمهور العلماء ذهب إلى تفضيل أن المرأة لا تؤم رجالاً في الصلاة، وفي مذهب الإمام أحمد رحمه الله قول قوي بأن تؤمهم في التراويح وفي النوافل إن كانت أعلم وأقرأ منهم بالقرآن، لكنها بالرغم من ذلك لا تتقدم على المأمومين، أي تصلي وراءهم، لأنها كامرأة قد تكون مثار فتنة، والقول الثاني أن تؤمهم حتى في صلاة الفريضة وهو قول في مذهب الإمام أحمد لكن لابد أن تكون (مسنة) أي كبيرة السن ). وهل في حديث أم ورقة رضي الله عنها حيث أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ مؤذنة وأن تؤم أهل دارها، رواه الإمام أحمد ورواه أبو داود . دلالة على جواز ذلك ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز ولا يصح أن تؤم المرأة الرجال في الصلاة لما رواه البخاري عن أبي بكرة قال: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. وإمامة الصلاة ولاية وممن استدل بهذا الحديث على منع المرأة من إمامة الرجال الخطيب الشربيني رحمه الله. وأما حديث أم ورقة فمحتمل وعارضه ما هو أقوى منه من الأدلة كما سيأتي ولما في إمامتها بالأجانب في المساجد ونحوها من الفتنة ولذلك كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ومع أن الشرع رخص لها بالصلاة في المسجد إلا أنه جعل لذلك ضوابط تدفع الفتنة وذلك أنه حثها على الصلاة خلف الرجال والابتعاد منهم ونهاها عن رفع رأسها من السجود قبل أن يرفع الرجال وأرشد إلى انصرافها قبلهم وخروجها متسترة وغير متطيبة ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها. وفي الصحيحين عن سهل بن سعد قال: لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم مثل الصبيان من ضيق الأزر خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال قائل يا معشر النساء لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجال. وفي صحيح البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم قال نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال. وفي الصحيحين عن عائشة أن نساء المؤمنات كن يصلين الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجعن متلفعات بمروطهن لا يعرفهن أحد. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة. فهذه الأحاديث تدل على مشروعية صلاة المرأة في المسجد لكن مع الحشمة والتزام الأدب والبعد عن أسباب الفتنة حتى لا تنقلب مواطن العبادة إلى مواطن إثارة للشهوات. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز أن تؤم المرأة الرجال في النافلة وهي رواية عند الحنابلة ولها تفصيل وقيود ذكرها المرداوي في الانصاف، فقال: ولا تصح إمامة المرأة للرجال. هذا المذهب مطلقا قال في المستوعب: هذا الصحيح من المذهب ونصره المصنف واختاره أبو الخطاب، وابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الكافي، والمحرر، والوجيز، والمنور، والمنتخب، وتجريد العناية، والإفادات وقدمه في الفروع، والرعايتين، والحاويين، والنظم، ومجمع البحرين، والشرح، والفائق، وإدارك الغاية، وغيرهم، وهو ظاهر كلام الخرقي، وعنه تصح في النفل، وأطلقهما ابن تميم، وعنه تصح في التراويح نص عليه، وهو الأشهر عند المتقدمين قال أبو الخطاب، وقال أصحابنا: تصح في التروايح قال في مجمع البحرين اختاره أكثر الأصحاب قال الزركشي: منصوص أحمد واختيار عامة الأصحاب: يجوز أن تؤمهم في صلاة التراويح. انتهى. وهو الذي ذكره ابن هبيرة عن أحمد وجزم به في الفصول، والمذهب، والبلغة وقدمه في التخليص وغيره، وهو من المفردات. ويأتي كلامه في الفروع قال القاضي في المجرد: ولا يجوز في غير التراويح فعلى هذه الرواية، قيل: يصح إن كانت قارئة وهم أميون، جزم في المذهب، والفائق، وابن تميم، والحاويين قال الزركشي: وقدمه ناظم المفردات، والرعاية الكبرى. وقيل: إن كانت أقرأ من الرجال، وقيل: إن كانت أقرا وذا رحم وجزم به في المستوعب، وقيل: إن كانت ذا رحم أو عجوز واختار القاضي: يصح إن كانت عجوزا قال في الفروع: واختار الأكثر صحة إمامتها في الجملة، لخبر أم ورقة العام والخاص، والجواب عن الخاص: رواه المروذي بإسناد يمنع الصحة، وإن صح: فيتوجه حمله على النقل، جمعا بينه وبين النهي ويتوجه احتمال في الفرض والنهي: تصح مع الكراهة. انتهى. فائدة: حيث قلنا: تصح إمامتها بهم، فإنها تقف خلفهم. لأنه أستر، ويقتدون بها، هذا الصحيح قدمه في الفروع، والفائق، ومجمع البحرين، والزركشي والرعاية الكبرى وجزم به في المذهب والمستوعب قلت: فيعايى بها، وعنه تقتدي هي بهم في غير القراءة. فينوي الإمامة أحدهم اختاره القاضي في الخلاف فقال: إنما يجوز إمامتها في القراءة خاصة، دون بقية الصلاة. انتهى. وذهب أبو ثور والمزني وابن جرير الطبري إلى صحة صلاتها بالرجال مطلقا لما رواه أبو داود وأحمد وصححه ابن خزيمة عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري وكانت قد جمعت القرآن وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها وكان لها مؤذن وكانت تؤم أهل دارها. قال الصنعاني في سبل السلام. والحديث دليل على صحة إمامة المرأة أهل دارها وإن كان فيهم الرجل فإنه كان لها مؤذن وكان شيخا كما في الرواية والظاهر أنها كانت تؤمه وغلامها وجاريتها وذهب إلى صحة ذلك أبو ثور والمزني والطبري وخالف في ذلك الجماهير. وأولوا الحديث على أنها تصلي بنساء أهل بيتها كما قاله الدارقطني وغيره من كبار الأئمة. وهذا كله بالنسبة لغير صلاة الجمعة وخطبتها أما هي فلا يصح أن تخطب وتؤم الرجال فيها امرأة لأن من شروط صحة الجمعة الخطبة ولم يصحح أحد من العلماء ـ فيما نعلم ـ خطبة المرأة وإمامتها للرجال فيها فالقول بجواز ذلك محدث لا عبرة به لكونه خارقا لإجماع من سبقه وهذه بعض نصوص الأئمة في ذلك. قال الحصكفي الحنفي في الدر المختار وهو يعد شروط صحة الجمعة: و ـ الشرط ـ الثاني السلطان ولو متغلبا أو امرأة ـ أي أصبحت سلطانة بالغلبة ـ فيجوز أمرها بإقامتها لا إقامتها. أهـ . واشترط المالكية لصحة صلاة الجمعة أن يكون الإمام هو الخطيب فلو صلى غير من خطب لغير عذر فالجمعة باطلة كما اشترطوا لصحة الجمعة تحقق الذكورة. قال الدردير في الشرح الصغير ( وشرطه): أي الإمام: ( تحقق ذكورة) فلا تصح خلف امرأة ولا خنثى مشكل ولو اقتدى بهما مثلهما. أهـ. وصرح الشافعية باشتراط الذكورة في سائر الخطب كما في فتوحات الوهاب لسليمان الجمل: وشرط الذكورية جار في سائر الخطب. اهـ. وقال البهوتي من الحنابلة في دقائق أولي النهي وهو يعدد شروط صحة الخطبة: وأن يصح أن يؤم فيها أي الجمعة فلا تصح خطبة من لا تجب عليه بنفسه كعبد ومسافر. ومثلهما المرأة لأن الجمعة لا تجب عليها باتفاقهم.أهـ.
والله أعلم.