عنوان الفتوى : حكم من يضع شيئاً في دبره وكيف نعالجه ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم من يضع شيئاً في دبره ؟.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله

أولاً :

نسأل الله تعالى أن يطهر قلبه وجوارحه ، وأن يهديه لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال .

ثانياً :

يجب أن يعلم أن فعله هذا يدخل في مسمى " الشذوذ " وليس بهذه الأفعال يشكر المسلم ربه تبارك وتعالى ، وليس بهذا يحافظ المسلم على ما رزقه ربه تبارك وتعالى من نعَم جليلة ، وحري به أن يترفع عن هذه الأفعال الشاذة ، والتي تخالف فطرة الله تعالى للإنسان السوي ، وتخالف الشرائع المنزلة كلها ، ويمقته بسببها كل ذي عقلٍ سليم .

ثالثاً :

يجب أن يعلم أن مثل هذه الأفعال الشاذة صادفت قلباً خاوياً فتمكنت منه ، ويجب عليه أن يصارح نفسه بالتخلص من الأسباب التي جعلته يدخل في سلك " الشاذين " ، ولعل من هذه الأسباب – بل هو أعظمها – فراغ القلب من الإيمان ، وخلو النفس من الحياء من الله تعالى وملائكته ، والنظر المحرَّم إلى المسلسلات والأفلام والأفعال الشاذة ، وفراغ حياته من العمل المفيد ، وابتعاده عن الزواج ، وحبه للبقاء وحده ، وهكذا في قائمة طويلة من الأسباب التي تؤدي بالإنسان للوقوع في الفواحش ورذائل الأفعال .

رابعاً :

ويجب عليه المبادرة إلى ترك هذه الأفعال الشاذة ، والصلح مع ربه عز وجل ، والسعي نحو إعمار قلبه بالإيمان ، وحياته بالعمل الصالح والنافع لدينه ودنياه ، ويجب عليه أن يحرص على المسارعة لإحصان نفسه بالتزوج من امرأة صالحة تعينه على إعفاف نفسه ، وإحصان فرجه ، وطاعة ربه ، ويجب عليه التخلص من مشاهدة المحرمات والبقاء وحده في خلوة تسهِّل له الوقوع في الفواحش .

خامساً :

واعلم - كذلك – أنه يسبب لنفسه آلاماً نفسية وبدنية ، فما يفعله سيرى عواقبه الوخيمة على بدنه بعد فترة ، وسيرى كم سيعاني من آلام نفسية تحرمه النوم والهناء بالطعام والشراب ، وسيرى كم سيعاني من آلام بدنية تحرمه الهناء في قضاء الحاجة ، وكم سيعاني من التهابات وتقرحات إذا استمر على أفعاله الشاذة هذه .

سادساً :

وهو يحتاج إلى من يبين له تحريم ما يفعله ويذكره ويعظه .

فعلى من ابتلي بشيء من هذه الأعمال المحرمة أن يتذكر أمرين اثنين :

1. الحياء من الله تعالى وملائكته ومن نفسه .

2. والخوف من الموت وأن يميته الله عز وجل وهو يفعل هذا في نفسه .

أما الحياء :

فنحن نعلم أنه يعتقد أن الله تعالى يراه على كل أحواله ، لكن لعله يغفل عن هذا وقت فعل المعصية ، ولو استقرت هذه العقيدة في قلبه على الدوام لاستحيى من الله أن يراه مقصراً في طاعة ، أو مرتكباً لمعصية ، قال الله عز وجل : ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) العلق/14 ، وقال عز وجل : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق/16 ، وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " استحيوا من الله حق الحياء ، قالوا : إنا نستحي ، قال : ليس ذاكم ، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وليذكر الموت والبِلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء " وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1724 ) .

ولله در من قال :

وإذا خلوتَ بريبــة فـي ظلمـــة والنفس داعية إلى الطغيـان

فاستحيي من نظـر الإلـه وقـل لها إن الذي خلق الظلام يـراني

وهو يعتقد أن الله تعالى وكَّل به ملائكة كراماً يرونه ويسمعونه ، ويكتبون ما يفعله من حسنات وسيئات ، وهم لا يفارقونه على جميع أحواله ، ولو أنه استحيى منهم لترك ما يفعله من شذوذ .

قال تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَاماً كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) الانفطار/10 – 12 .

قال ابن القيم رحمه الله :

أي : استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام ، وأكرموهم ، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم ، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه ، وإن كان قد يعمل مثل عمله , فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين ؟!

" الجواب الكافي " ( ص 75 ) .

وقال بعض السلف : إن معكم مَن لا يفارقكم ، فاستحيوا منهم ، وأكرموهم .

وإذا كان يستحيي أن يفعل هذا أمام الناس ، فكيف لا يستحي من الله تعالى وملائكته !

وأما الموت :

فليعلم أنه لا يدري متى يأتيه ملك الموت ليقبض روحه ، ولا يدري الحال التي يكون عليها ، فهل يرضى أن تكون منيته الآن وقبل توبته ؟ وهل يرضى أن تُقبض روحه وهو يمارس هذه الأفعال الشاذة ؟ ألا يعلم أن الأعمال بالخواتيم ؟ ألا يعلم أن الله يبعث الناس على ما ماتوا عليه ؟ فكيف سيكون حاله عند خروجه من قبره ليوم النشور ؟! وماذا سيقول لربه عز وجل حين يقف بين يديه ؟!

قال بعض السلف : " شيئان قطعا عني لذة الدنيا : ذكر الموت ، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى " .

وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة ، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازةَ ‎.

وقال بعض السلف : مَن أكثر مِن ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء : تعجيل التوبة ، وقناعة القلب ، ونشاط العبادة ، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء : تسويف التوبة ، وترك الرضى بالكفاف ، والتكاسل في العبادة .

وليعلم أن حسن الخاتمة لا تكون إلا لمن استقام ظاهره وصلح باطنه ، وأن سوء الخاتمة تكون لمن كان له فساد في الباطن ، أو إصرار على الكبائر ، وليعلم أن الإنسان يموت على ما يعيش عليه ، ويختَم له بما داوم عليه ولم يتركه .

قيل لرجل وهو في سياق الموت يحتضر : قل " لا إله إلا الله " ، فجعل يغني ؛ لأنه كان مفتوناً بالغناء .

وقيل لشارب خمر عند الموت : قل " لا إله إلا الله " ، فجعل يقول : اشرب واسقني .

ولعلَّ فيما ذكرناه كفاية له ليترك ما هو عليه من سوء فعل ، وليرجع إلى ربه عز وجل ، وليدعوه أن يوفقه ويهديه ، وقد ذكرنا مزيداً من النصائح والتوجيهات في جواب السؤال ( 20068 ) نرجو منه الاطلاع عليه .

ونسأل الله تعالى أن يهديه ويصلح باله .

والله الموفق .