عنوان الفتوى : الصبر على البلوى خير
تزوجت للمرة الثانية بعد فشل زواجي الأول بسبب المخدرات التي دمرت بيتنا، وكلي أمل في بناء أسرة جديدة بدلاً من أسرتي السابقة، ولأني أقدر الحياة الزوجية لم أتوقع أني أفشل أبداً وقد أخبرته بذلك وقلت له أنا هدفي الأسرة والاستقرار وعدم الفشل مرة أخرى وكان كالملاك وأنها أمنيته أيضاً، تم الزواج وبعد ثلاثة أشهر طلب مني أن أتحمل مصاريفي فوافقت لأني موظفة ولا مانع من التكاتف في الحياة، وبعدها بشهرين هجرني واشترط لعودتي أن أتحمل جميع مصاريف البيت واحتياجاته وبعد فراق دام شهرين وافقت لأني لا أريد سوى الستر والعفاف ولا أتخيل أني في كل حين يكون لي رجل واحتسبت ذلك عند الله، ولعله يفتح بصيرته يوما أو يتغير بعد الإنجاب الذي هو حريص عليه من الشهور الأولى لزواجنا، وفعلاً حدث الحمل قبل أن نكمل عامنا الأول بشهر وعندما أصبح عمر الجنين شهرا ونصف طلب مني سلفة بنكية يتجاوز تسديدها سنوات عديدة تجاهلت الموضوع وفي يوم ألح علي قلت لا وأحببت أن أوضح أسبابي فرفض وقال أنت طالق، اليوم وبعد مضي 4 شهور على فراقنا تحرك الطفل في أحشائي وهو لم يحرك ساكناً، علماً بأني حاولت لمدة شهرين أن أعود من أجل ابني لكنه رفض وتركني لمشاعر القهر والظلم التي شغلتني حتى عن العبادة وممارسة حياتي فأنا أحبه حبا عظيماً رغم كل ما فيه من صفات، أنا يئست أن يعود إلي ولكني إلى اليوم أبكيه وتنتابني أعراض جسمانية غريبة فالطب لم يجد لها علاجا ولم أتخلص من مشاعر القهر والظلم هل هذا الرجل ظلمني، هل يجوز أن أدعو عليه لعل الدعاء يشفي غليلي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلوذي أختاه بربك ومولاك واسأليه أن يأجرك في مصيبتك وأن يخلف عليك خيراً مما أخذ منك، وعليك بدعاء المصيبة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني (وفي رواية آجرني) في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيرا منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلمي أن ما مر عليك قد يكون ابتلاء وامتحانا ترفع به الدرجات وتكفر السيئات، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. رواه النسائي.
وعليك بالصبر والرضاء بما قدر الله لك وما ابتلاك به، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فما من عبد يبتلى ببلوى أو مصيبة فيصبر عليها إلا كان ذلك خيراً له، كما في الحديث الصحيح: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن! إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. رواه مسلم.
ثم إنه لا شك أن نفقة الزوجة تجب على زوجها ولو كانت غنية، وأن مصاريف البيت أيضاً ليست على الزوجة، وبالتالي فإلزامها بشيء من ذلك ظلم لها وأكل لمالها بالباطل، والذي يتخذ من حب زوجته له وطاعتها إياه ذريعة يظلمها بها ويحملها على أمور لا تلزمها شرعاً ولا عادة، أين هو من قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيراً. حديث متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة. رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
فالرجل إذ فرط في واجبات امرأته أو ألزمها بما لا يلزمها عادة ولا شرعا فقد ظلمها، ولا بأس بالدعاء على الظالم وإن كان العفو أفضل وأكثر أجراً، وتراجع الفتوى رقم: 23857.
وأخيراً ننصح أختنا بأن تتوجه إلى ربها وأن تدعوه بإخلاص وصدق نية أن يفرج همها وييسر أمرها وأن يصرف همها عن هذا الرجل فربما لم يكن لها فيه الخير، فالرجال كثير ورزق الله واسع، وينبغي أن تعلم الأخت بأن الإنسان قد يكره ما هو خير له والله لطيف بعباده، وما يدريك لعل فراق هذا الرجل في وقت مبكر من الزواج خير من البقاء معه أكثر من ذلك، فلا يُدرى ما هي المشكلات التي ستحدث لو استمرت الحياة الزوجية بينكما قليلاً، نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.