عنوان الفتوى : قطرة الدم ونحوها لا تعد حيضا
منذ أربع سنوات وأنا أعاني من خلل في دورتي الشهرية في السابق كانت منتظمة ومدتها من 9إلى 10 أيام ومنذ أربع سنوات تأتي متقدمة 5 إلى 7 أيام عن موعدها وتظل قرابة الأربع أو خمس أيام كنقط خفيفة جدأ وليس في كل وقت ثم تبدأ بالنزول بشكل صحيح في اليوم الخامس أو السادس وتستمر من 10 إلى 11 وفي بعض المرات 12 يوماًوفي آخرها كذلك مجرد انتظار لعلامة الطهر وقد قيل لي في المدينة المنورة في الإرشاد النسائي للحرم إنه إذا تقدمت عن موعدها وكان الدم فاتحا وليس له رائحة أصلي وأقطع الصلاة في موعدها وقد قالت لي طبيبتي وهي مسيحية أن تلك البقع لاتعتبر دورة وإنما الدورة هي حين يبدأ النزف الثقيل وقالت لي أن أصلي وأصوم حتى أبدأ بالنزف ولكني لم آخذ بكلامها لآنها غير مسلمة وقد قرأت في كثير من كتب الفقه ولكن كان معظمها عن نهاية الدورة وليس بدايتها وأنا في شك وخاصة أن البعض يقول بين الاغتسال والدورة الثانية يجب أن يكون 15 يوماً وقيل أن بعض العلماء قال 10 أيام لذا دلوني على الطريقة الصحيحة جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم فيما إذا رأت المرأة قطرة أو نقطة أو نحو ذلك من الدم ثم أعقب ذلك انقطاع الدم هل تعتبر هذه القطرة حيضاً أم لا؟
فذهب الجمهور إلى أنها لا تعتبر حيضاً، لأنها أقل من أقل الحيض عندهم، على اختلاف بينهم في تحديد أقل الحيض، فمذهب الحنفية أنه ثلاثة أيام بلياليها، ومذهب الشافعية والحنابلة أنه يوم وليلة، وقد صرح الجمهور بأنه متى نقص الدم عن أقل الحيض فهو دم استحاضة، لا حيض.
وذهب المالكية: إلى أن هذه القطرة ونحوها من الدم تعد حيضاً، لأنها تدخل عندهم في أقل الحيض من جهة المقدار، مع اتفاقهم على أنه لا حد لأقل الحيض من جهة الزمان، وقد صرح عدد من المالكية بذلك.
قال صاحب الفواكه الدواني: الحيض لا حد لأقل زمنه، وأما باعتبار أكثره فحده خمسة عشر يوماً لمن تمادى بها، وأما اعتبار الخارج، فله حد باعتبار أقله، وهو القطرة.
والراجح هو مذهب الجمهور لعدة أوجه:
الوجه الأول: أن الحيض لغة هو سيلان الشيء وجريانه، يقال: حاضت الأرنب إذا سال منها الدم، وحاضت الشجرة إذا سال منها الصمغ، ومعلوم أن وصف السيلان والجريان لا يتحقق لغة في هذه القطرة، فلا تكون حيضاً، لما تقرر عند أهل العلم من أن الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة تحمل على المعاني الشرعية، لأنها المقصودة من خطاب الشارع، فإن لم يكن لها معان شرعية كما هو الحال في لفظ الحيض حملت على معانيها اللغوية لقول الله تعالى في وصف القرآن: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ {الشعراء: 195}. ولقوله جل وعلا: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ {إبراهيم: 4}. فهذا يبين أن الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة ما لم ينقلها الشارع إلى معان شرعية تبنى على معانيها اللغوية.
الوجه الثاني: ما رواه ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال: إذا رأت المرأة بعد ما تطهر من الحيض مثل غسالة اللحم أو القطرة من الرعاف أو فوق ذلك أو دون ذلك، فلتنضح بالماء ولتصل ولا تغتسل، إلا أن ترى دماً غليظاً، فإنما هي ركضة من الشيطان في الرحم.
فهذا الأثر عن علي رضي الله عنه يدل على أن ما تراه المرأة من قطرة دم ونحوها لا تعد حيضاً حتى ترى دماً غليظاً.
الوجه الثالث: أن الاحتياط للعبادة يقضي بعدم اعتبار فترة الدم التي ينقطع بعدها الدم حيضاً، لأن العبادة ثابتة في ذمة المكلفة بيقين، فلا يزول هذا اليقين إلا بيقين، وليس في قطرة الدم ونحوها دلالة على الحيض بيقين يتيقن الأخذ به، فأهل العلم مختلفون في ذلك، وأكثرهم لا يعتبرونها حيضاً، ومعلوم أن أهل العلم من المالكية وغيرهم قد احتاطوا للعبادة في الحيض وغيره بما هو مشهور معلوم من مذهبهم، مما يجعل الاحتياط بعدم جعل قطرة الدم ونحوها حيضا جارياً على أصولهم غير مخالف لها.
وإذا تقرر هذا، فاعلمي أن هذه القطرة من الدم ليست حيضاً، وإنما هي دم فساد، فلا تمنع الصلاة والصيام، ولا توجب الاغتسال، وإنما توجب تنظيف المحل والوضوء، ويبدأ الحيض من حين نزول الدم وتواصله يوماً وليلة، ينضاف إلى ذلك أمران أيضاً يؤكدان أن ما ترينه قبل الدورة لا يعد حيضاً:
الأول منهما أن ما يأتيك قبل موعد الدورة يأتيك قبل أن تستكملي أقل الطهر وهو خمسة عشر يوماً عند الجمهور.
الأمر الثاني إخبار الطبيبة لك أن ما ترينه ليس حيضاً وإنما هو استحاضة.
والله أعلم.