عنوان الفتوى : افترت على زوجها كذباً ، فكيف تبرئ ذمتها من هذا الأمر؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

لي قريبة بعد زواجها بيومين عادت إلى منزل أبيها وذكرت له أن الرجل الذي تزوجته لا يصلي وأنه أسمعها كلاما بذيئا لا يقوله عاقل ، وطلبت من والدها طلب الطلاق . وكان مهرها (40.000) ريال . وبعد تعقد الأمور ومماطلة الزوج بتقديم ورقة الطلاق اتفقوا على إرجاع (30.000) ريال من المهر . السؤال الأول : تقول المرأة هل علي شيء في أخذ هذه العشرة آلاف . وأنا أريد أن أرجعها له إبراءً لذمتي لكني لا أستطيع فهل أتبرع بها ؟ السؤال الثاني : تقول المرأة إنها أخبرت والدها بالكلام الذي قاله لها الزوج والتصرفات التي تصرفها معها وهي صادقة بذلك , ولكنها ذكرت لوالدها عدة أمور لم يفعلها الزوج ولم يقلها فهل هذا بهتان وكيف تتحلل منه علما أنها لا تستطيع الذهاب إليه بل لا تعرف مكانه ؟.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله.

أولا : الأصل أن المطلقة بعد الدخول تستحق المهر كاملا ، وكون الزوج لم يطلقها إلا بعد رد المهر إليه ، فهذا خلع ، وهو جائز بالمهر وبأقل أو بأكثر منه .

وعليه فلا يلزم قريبتك أن ترد العشرة آلاف إلى زوجها السابق ، ما دام أنه قد تم الاتفاق على إسقاطها .

ثانيا : إذا كانت المرأة قد نسبت لزوجها أفعالا وأقوالا هو بريء منها ، فهذا بهتان محرم . والواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى ، وتدعو وتستغفر لذلك الزوج ، ولا يلزمها إعلامه ولا التحلل منه . وهكذا كل من اغتاب أو بهت إنسانا ، فإنه لا يشترط في التوبة إعلامه بذلك ؛ لما يترتب عليه من إيغار الصدور ، وزيادة البغض .

قال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب ص219 :

" الفصل الخامس والستون فيما يقول من اغتاب أخاه المسلم :

يُذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته ، تقول : اللهم اغفر لنا وله ) . ذكره البيهقي في الدعوات الكبير ، وقال : في إسناده ضعف .

وهذه المسألة فيها قولان للعلماء ، هما روايتان عن الإمام أحمد ، وهما هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب أم لا بد من إعلامه وتحليله ؟

والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه ، بل يكفيه الاستغفار وذكرُه بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره . والذين قالوا : لا بد من إعلامه ، جعلوا الغيبة كالحقوق المالية . والفرق بينهما ظاهر ؛ فإن الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه ، فإن شاء أخذها وإن شاء تصدق بها . وأما في الغيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع ، فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رُمي به ، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدا . وما كان هذا سبيله فإن الشارع الحكيم لا يبيحه ولا يجوزه ، فضلا عن أن يوجبه ويأمر به . ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها ، لا على تحصيلها وتكميلها . والله تعالى أعلم " .

وقال السفاريني في شرح منظومة الآداب (2/577) :

" وذكر ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس ، قال حذيفة رضي الله عنه : كفارة من اغتبته أن تستغفر له . وقال عبد الله بن المبارك : التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته . . .

قال في الآداب الكبرى : ومثل قول ابن المبارك اختار الشيخ تقي الدين وابن الصلاح الشافعي في فتاويه .

وقال شيخ الإسلام رضي الله عنه بعد أن ذكر الروايتين في المسألة المذكورة : فكل مظلمة في العرض ، من اغتيابِ صادقٍ ، وبهت كاذبٍ فهو في معنى القذف ؛ إذ القذف قد يكون صادقا فيكون غيبة , وقد يكون كاذبا فيكون بهتا , واختار أصحابنا أنه لا يُعلمه بل يدعو له دعاء يكون إحسانا إليه في مقابلة مظلمته كما روي في الأثر , وهذا أحسن من إعلامه , فإن في إعلامه زيادة إيذاء له , فإن تَضَرُّرَ الإنسان بما علمه من شتمه أبلغ من تَضَرُّره بما لا يعلم . ثم قد يكون ذلك سبب العدوان على الظالم أولاً ، إذ النفوس لا تقف غالبا عند العدل والإنصاف , ففي إعلامه هاتان المفسدتان . وفيه مفسدة ثالثة - ولو كانت بحق - وهو زوال ما بينهما من كمال الألفة والمحبة أو تجدد القطيعة والبغضة ، والله تعالى أمر بالجماعة ، ونهى عن الفرقة , وهذه المفسدة قد تعظم في بعض المواضع أكثر من بعض ... ) انتهى .

ومن رأى من أهل العلم وجوب التحلل من المظلوم في هذه المسألة ، استثنى حالة موته أو غيابه ، فيُكتفى حينئذ بالاستغفار والدعاء له والإكثار من الحسنات .

انظر : "الأذكار" للنووي (ص 308) .

وانظر السؤال (6308) ، (23328) .

والله أعلم .