عنوان الفتوى : تعلم الفتاة ببلاد الكفر والتعلل بإرسال بعض العلماء بناتهن للدراسة بها
بسم الله الرحمن الرحيم من المعلوم أن الخلوة والاختلاط وغيرها من المحرمات التي استهان بها الناس في هذه الأيام وأنا الآن أستفسر عن حالة أرجو منكم أن تبينوها لي بالأدلة حتى تقام الحجة على من أقدمت على هاته المحرمات ونسأل الله أن يرزقنا وإياها حسن فهم مقاصد هذا الدين وحسن اتباع علماء هذه الأمة. أسأل عن فتاة واصلت تعليمها وبعد أن تحصلت على الإجازة قررت مواصلة تعليمها في بلاد الكفر فرنسا وهي مستعدة للسفر في الطائرة بدون محرم والسكن في فرنسا مع خالتها وزوجها وابنيها البالغين من العمر 15 و 16 سنة في نفس المنزل, فهل الإقدام على هذا العمل جائز وبماذا تنصحون هذه الفتاة ومن أمن الفتنة يوما لا يضمن ذلك بقية الدهر وهاته الفتاة تتعلل بأن الشيخ الشعراوى رحمه الله درس ابنته في لندن وأن الشيخ فلان أفتى بجواز ذلك إلى غير ذلك من الشبهات, فهل يجوز اتباع أعمال الصالحين والعلماء أم لا نقتدي إلا بكلامهم وما صلح من أعمالهم "فبهداهم اقتده" وجزاكم الله كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اشتمل السؤال على الأمور التالية:
1- مواصلة المرأة تعليمها في بلد أهله غير مسلمين وتنتشر فيه الفواحش والمنكرات.
2- سفر المرأة دون محرم.
3- السكن مع الخالة ومعها زوجها وابناها البالغان.
4- هل الواجب اتباع الصالحين والعلماء أم لا يقتدى إلا بأقوالهم وما صلح من أعمالهم؟.
5- طلب النصح لهذه الفتاة.
وحول النقطة الأولى نقول: إن المرأة إذا احتاجت إلى العمل لعدم من ينفق عليها وكان عملها يتوقف على حصول شهادة معينة ولم يتوفر لها إمكان تحصيل تلك الشهادة في بلدها ومحل إقامتها فلا مانع من السفر للدراسة بما سنذكره من الشروط من أجل تحصيل تلك الشهادة.
ويشترط لدراسة المرأة أن لا تسكن في أماكن مختلطة، وأن لا تكشف شيئا من بدنها أمام الرجال الأجانب، وأن لا تخلو بطالب ولا أستاذ، وأن لا تركب بمفردها مع سائق، وأن لا تخرج متطيبة، وأن تتجنب الخضوع بالقول، وكل ما يثير الفتنة.
وهذا كله إذا كانت الدراسة واقعة في بلد مسلم، وأما أن يكون السفر المذكور هو إلى بلد غير مسلم فإن الخطب في ذلك أعظم والأمر أشد، ولا يجوز إلا للضرورة الملجئة.
وإذا قلنا بإباحته للضرورة فإنه يزاد معه شروط أخرى ودرجة عالية في الاحتياط، فلا يجوز الكشف عن العورة بحضرة الطالبات الكافرات، ولا يجوز الاستماع إلى المناكر التي لا يتصور خلو أي مكان منها، ويتحتم على المسلمة أن تبحث عن مسلمات تصحبهن في المسكن وفي الصف وفي التنقل ونحو ذلك.. ولا نرى أن هذه الشروط ستتاح للأخت المذكورة، فالواجب ترك هذه الدراسة إذاً.
أما عن سفر المرأة بدون محرم فقد وردت السنة الصحيحة بتحريمه، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم. وراجع في هذا الفتوى رقم: 6015.
وعن إقامة المرأة مع خالتها في البيت ومعها في البيت من هم أجانب فالأصل أنه مباح إذا احتيج إليه، ويجب عليها أن تتجنب الخلوة بأي من أولئك الرجال، وكذلك كشف العورة أمامهم والحديث معهم فيما لا تدعو إليه الحاجة، فإن احتاجت إلى الحديث تجنبت الخضوع بالقول وتجب مراعاة الضوابط الموجودة في الجواب رقم: 10146.
وعن النقطة الرابعة فنقول: إن واجب المسلم أن لا يعمل إلا بما علم صحته من الفتاوى، وأن لا يستفتي إلا من ضم الورع إلى العلم، قال صاحب مراقي السعود:
وليس في فتواه مفت يتبع * إن لم يضف للدين والعلم الورع
وقال العلماء: إنه لا يحل لامرئ أن يفعل فعلا حتى يعلم حكم الله فيه، ويسأل العلماء ويقتدي بالمتبعين خاصة.
وإذا كان الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى درس ابنته في دولة كفر فإنه لا يجوز لها أن تقتدي به في ذلك، لأنه إما أن يكون خطأ وهو غير معصوم من الخطإ، نسأل الله أن يتجاوز عنا وعنه، وعن سائر المسلمين، وإما أن يكون له فيه من التعليل ما لا ينطبق على حالتها.
والنصيحة التي نقدمها لهذه الفتاة هي أن تحذر الفتنة وتبتعد عن أسبابها، وتعلم أن الشهادات والمناصب في هذه الحياة الدنيا لا تساوي شيئا في مقابلة سخط الله وغضبه، وأن تقوى الله يجلب السعادة والرزق من حيث لا يحتسب، فلتترك عنها هذا السفر المحرم إذا كان لها غنى عنه، فإن الدراسة المذكورة محفوفة بالمخاطر والفتن التي لا يتصور أن يفلت منها إلا من رحم الله.
ولتقتصر على العمل الذي تتيحه لها الشهادة التي تحصلت عليها ولتتق الله في ذلك أيضا.
والله أعلم.