عنوان الفتوى : الستر على العصاة بين الوجوب وعدمه
ألقى رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القبض على شاب وفتاة كانا يجلسان في السيارة ويتبادلان الأحاديث فيما بينهما وبعد سؤال الفتاة واستجوابها تبيّن أنها ليست من أقاربه (محارمه) وعندما حاول رجال الهيئة إخراج الفتاة من سيارة الشاب لتركب معهم في الجيب قامت تصرخ وتصيح وتقسم بالله العظيم أن هذه هي المرة الأولى وأنها أخطأت ولن تكررها مرة أخرى والشاب يصيح ويتوسل ويقول إنه سيفصل من عمله .فتدخلنا للشفاعة في الموضوع وكان معنا رجل كبير في السن تعهد بإيصال الفتاة إلى بيت أهلها وقلنا لرجل الهيئة استرهم طالما أنهما لم يرتكبا جريمة الزنا والستر طيب(من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) استرهما الله يستر عليك وامنحهما هذه الفرصة وخذ عليهما تعهدا خطياً بعدم تكرار ذلك ووجه لهما النصائح والتوجيهات فهذا الشاب إذا فصل من عمله سيكون معرضاً للانحراف وتلك الفتاة سيفضح أمرها وينتشر خبرها بين الناس وبالتالي ستبقى في بيت أهلها إلى أن تموت وربما يصاب والدها أو والدتها بجلطة تقضي عليه فهل علينا إثم في ذلك بسبب تدخلنا، وهل على رجل الهيئة إثم إذا أطلقا سراحهما وسترا عليهما، وما هو رأي فضيلتكم لو وجه رجل الهيئة لهما النصائح والتوجيهات بأسلوب حكيم وبطريقة لبقة وستر عليهما؟أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء، والله يحفظكم ويرعاكم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس عليكم إثم في سعيكم للستر على ذينك الشابين، ولا على رجل الهيئة، بل كلكم مأجورون إن شاء الله بما فعلتم من نجدة تلك الفتاة وذلك الشاب اللذين كانا سيتعرضان لأقسى العقاب إذا فشا أمرهما، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعاً: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.
وهذا إنما هو فيمن ليس معروفاً بالمعصية، وأما لو كانا معروفين بمثل هذا الفعل، فالصواب عدم الستر عليهما. قال النووي في شرحه لصحيح مسلم:... فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله...
ولو وجه رجل الهيئة إلى الشابين النصائح والتوجيهات بأسلوب حكيم وبطريقة لبقة -كما ذكرت- لكان ذلك أحسن، وهو ما يأمر به ديننا الحنيف في سبيل الدعوة إلى الله. قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125]، ونرجو الله أن يقتبل منكم وأن يهدي شباب المسلمين إلى الصراط المستقيم.
والله أعلم.