عنوان الفتوى : ظل سنوات عديدة يكتفي بمسح وجهه في الوضوء
لقد كنت أخطأ في الوضوء ولمدة سنين ، أمسح على وجهي عوض الغسل من دون علم ،علما بأن هذا المسح كان يبلل الوجه تماما وبالخصوص بعد الثلاثا لمسحات ، وكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضاً بمد وأنا أستعمل أكثر من مد ،إذن ماذا يستعمل في غسل الوجه من المد الواحد يعادل تقريبا ما أنا أستعمله في مسح وجهي وبالخصوص بعد المرة الثالثة ، هل وضوئي كان صحيحا أو مقبولاً ؟ وإن كان لا فصلاتي أيضا غير صحيحة حتى حجي فهو غير كامل حيث إن الطواف لا يجوز من غير وضوء صحيح ،أنا محتار منذ أن علمت هذا،وبعد علمي هذا أفادني إمام مسجد أتى من السعودية إلى ألمانيا من أجل العلاج بأن الله رفع الخطأ و النسيان عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم. أفيدوني بجواب شامل مفصل جزاكم الله كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فغسل الوجه ركن في الوضوء بالكتاب والسنة والإجماع فمن ترك غسل الوجه فالوضوء والصلاة
غير صحيحين لأن الوضوء لا يصح بترك ركن منه والصلاة لا تصح لفوات شرط الطهارة.
والمسح لا يغني عن الغسل لأن الغسل هو إسالة الماء على العضو والمسح مباشرة الماء وإصابته للعضو دون إسالة.
فإن بلغ المسح بعد الثلاث مسحات الإسالة والتقاطر فيكون غسلا ويصح الوضوء حينئذ.
قال في بدائع الصنائع: فالغسل هو إسالة الماء على المحل، والمسح هو الإصابة، حتى لو غسل أعضاء وضوئه، ولم يسل الماء، بأن استعمله مثل الدهن، لم يجز في ظاهر الرواية.
وروي عن أبي يوسف أنه يجوز وعلى هذا قالوا: لو توضأ بالثلج، ولم يقطر منه شيء لا يجوز، ولو قطر قطرتان، أو ثلاث جاز لوجود الإسالة، وسئل الفقيه أبو جعفر الهندواني عن التوضؤ بالثلج، فقال: ذلك مسح، وليس بغسل، فإن عالجه حتى يسيل يجوز، وعن خلف بن أيوب أنه قال: ينبغي للمتوضئ في الشتاء أن
يبل أعضاءه شبه الدهن، ثم يسيل الماء عليها، لأن الماء يتجافى عن الأعضاء في الشتاء .
وقال في أسنى المطالب في تعريف الغسل لغة سيلان الماء على الشيء
وشرعا سيلانه على جميع البدن.
وقال الجصاص في أحكام القرآن ( بتصرف)
قوله تعالى: [ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ] (المائدة: 6)
يقتضي إيجاب الغسل والغسل اسم لإمرار الماء على الموضع إذا لم تكن هناك نجاسة إذ النجاسة مشروط
إزالتها، فإذا ليس عليه دلك الموضع بيده وإنما عليه إمرار الماء حتى يجري على الموضع. وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أوجه: فقال مالك بن أنس: ( عليه إمرار الماء ودلك الموضع بيده وإلا لم يكن غسلا). وقال آخرون وهو قول أصحابنا وعامة الفقهاء:( عليه إجراء الماء عليه وليس عليه دلكه بيده). وروى هشام عن أبي يوسف: (أنه إن مسح الموضع بالماء كما يمسح بالدهن أجزأه).
وأما من أجاز مسح هذه الأعضاء المأمور بغسلها فإن قوله مخالف لظاهر الآية، لأن الله تعالى شرط في بعض الأعضاء الغسل وفي بعضها المسح، فما أمر بغسله لا يجزئ فيه المسح، لأن الغسل يقتضي إمرار الماء على الموضع وإجراءه عليه، ومتى لم يفعل ذلك لم يسم غاسلا، والمسح لا يقتضي ذلك إنما يقتضي مباشرته بالماء دون إمراره عليه، فغير جائز ترك الغسل إلى المسح.
ولو كان المراد بالغسل هو المسح لبطلت فائدة التفرقة بينهما في الآية، وفي وجوب إثبات التفرقة بينهما
ما يوجب أن يكون المسح غير الغسل، فمتى مسح ولم يغسل فلا يجزيه لأنه لم يفعل المأمور به. انتهى
وعليه فمن اقتصر على مسح الوجه فوضوؤه غير صحيح لفقد ركن فيه وهو غسل الوجه ولا تصح الصلاة بهذا الوضوء، وقد اختلف العلماء هل يعيد الصلوات التي صلاها أم يعذر بالجهل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من كان يصلي بلا طمأنينة ولا يعلم أنها واجبة فهذا قد اختلفوا فيه هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا؟ على قولين
معروفين...والصحيح أن مثل هذا لا إعادة عليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته:" اذهب فصل فإنك لم تصل مرتين أو ثلاثا، فقال والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني مايجزيني في صلاتي. فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الطمأنينة ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت، ومع قوله والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا. ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة لأن وقتها باق فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها. وأما ما خرج وقته من الصلاة فلم يأمره بإعادته مع كونه قد ترك بعض واجباته، اهـ
إلا أن هذا مقيد عند أهل العلم بمن جهل أمرا خفيا لم ينتشر علمه وبيانه، أو كان جهله بسبب حداثة إسلامه، أو نشوئه في مكان لا يتوفر فيه العلم.
قال السيوطي: كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزنى والقتل والسرقة والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم. أ.هـ
فهناك مسائل لا يعذر فيها بالجهل إلا لمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة. أما من عاش بين المسلمين في بلد ينتشر فيه العلم، فهذا لا يقبل منه دعوى الجهل وفي أمر معلوم من الدين بالضرورة،
بل لو قدر كونه جاهلا، فهذا آثم لتفريطه في أمر التعلم،
فإذا كان سبب جهلك لهذا الحكم كونك تعيش في بلد أهله غير مسلمين ولم تكن مقصرا في تعلم أحكام دينك فنرجو أن تكون معذورا بهذا الجهل وليس عليك إعادة مامضى من صلاتك.