عنوان الفتوى : تخفيض التاجر سعر السلعة لترغيب المشترين

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

عندي صفحة تجارة إلكترونية على الفيسبوك، أبيع خلالها ساعات اليد، وأقوم بإعلانات ممولة لبضائعي، ولا أكتب السعر في الإعلان.
وللسؤال عن السعر يجب التواصل معي على رسائل الصفحة؛ فعندما يأتي الزبون ليسأل عن السعر أعطيه سعر الساعة، وإن لم يشتر الزبون بعد فترة معينة أبعث له رسالة أعرض عليه فيها تخفيضا في سعر المنتج الذي سألني عنه، وهذا لكل زبون يسأل عن سعر أيِّ منتج. فهل يجوز ذلك؟ وهل ما أقوم به مباح في الشرع؟
سؤالي الثاني: أنا أبيع الإكسسوارات والمجوهرات النسائية كذلك، وكنت أبيع إحدى القطع مع إخباري للزبون أن القطعة لا يذهب لونها؛ سواء اقتربت من الماء أم لم تقترب، ولكن مجددا اكتشفت أن هذا النوع من القطع يذهب لونه مع الوقت، وأنه يصاب بالصدأ من الماء والعرق، ولم أكن أعلم بذلك، علما بأنني بعت مئات القطع بهذا الشكل. ولكنني عاهدت نفسي بأن أي زبون يرجع ويخبرني بأن قطعته التي اشتراها ذهب لونها سأعوضه بتبديل القطعة أو بالمال، وقد حصل ذلك عدة مرات.
فهل هذا كاف ومبرئ للذمة أمام الله؟
أتمنى إن كان بإمكانكم الاستدلال بأقوال لعلماء الشافعية؟
وجزاكم الله خير الجزاء.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما السؤال الأول فجوابه أنه: لا حرج على البائع في تخفيض السعر لكي يرغِّب المشتري في الشراء، فإن البيع والشراء من عقود المكايسة، والمعهود فيها هو حرص كل من البائع والمشتري على الكسب.

فإذا حصل الرضا بين المتابعين على أي ثمن؛ صح البيع، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء: 29}، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنما البيع عن تراض. رواه ابن ماجه، وصححه البوصيري والألباني.

لكن لا بد من اجتناب الكذب؛ كإعلام الزبون أن هذا التخفيض خاص به مثلا، بينما يمنح التخفيض لكل مشتر ونحو ذلك، مما قد يقع فيه التاجر.

وأما السؤال الثاني فجوابه أنه: لا إثم على السائل في وجود هذا العيب الذي لم يكن يعلمه، ومع ذلك فإن هذا العيب إن كان ينقص من قيمة السلعة في عرف التجار، فللمشتري الحق في الفسخ، واسترجاع الثمن، أو إمساك السلعة وأخذ قيمة النقص (أرش العيب).

وراجع في ذلك الفتوى: 213655.

وهذا في معنى ما يفعله السائل من تعويض من يخبره من المشترين بذهاب لون قطعته.

وهذا على مذهب الحنابلة.

وأما مذهب الشافعية، فليس للمشتري أن يتمسك بالمبيع المعيب ويأخذ نقصان العيب، فإما أن يرده ويسترجع الثمن كله، وإما أن يمسكه بالثمن كله، ولا يصح على المذهب إلا ذلك حتى ولو تراضى البائع والمشتري على أرش العيب.

قال الشيرازي في «المهذب»: إن قال البائع: أمسك المبيع أنا أعطيك أرش العيب، لم يجبر المشتري على قبوله؛ لأنه لم يرض إلا ‌بمبيع ‌سليم ‌بجميع ‌الثمن، فلم يجبر على إمساك معيب ببعض الثمن.

وإن قال المشتري: أعطني الأرش لأمسك المبيع، لم يجبر البائع على دفع الأرش؛ لأنه لم يبذل المبيع إلا بجميع الثمن فلم يجبر على تسليمه ببعض الثمن، فإن تراضيا على دفع الأرش لإسقاط الخيار ففيه وجهان:

أحدهما: يجوز، وهو قول أبي العباس؛ لأن خيار الرد يجوز أن يسقط إلى المال، وهو إذا حدث عند المشتري عيب فجاز إسقاطه إلى المال بالتراضي كالخيار في القصاص.

والثاني: لا يجوز، وهو المذهب؛ لأنه خيار فسخ فلم يجز إسقاطه بمال، كخيار الشرط وخيار الشفعة. اهـ.

والمسألة فيها تفاصيل أخرى كثيرة في المذاهب الأربعة، وخصوصا في شروط الرد بالعيب.

والراجح -وهو المناسب أيضا للتطبيق في البيع عن طريق الإنترنت- هو مذهب الحنابلة الذي قدمناه.

وأما من لم يخبره من المشترين، فقد يكون رضي بها بعيبها، وقد يكون تنازل عن حقه في ردها وأرش عيبها، ومع وجود هذه الاحتمال، لا يحكم بعمارة الذمة المالية للسائل بحق لكل من اشترى منه قطعة من هذا النوع. فإن الأصل هو براءة الذمة حتى تعمر بيقين، وهذا ليس بحاصل في حال السائل.

قال العز بن عبد السلام -الشافعي- في (قواعد الأحكام): لو شك هل لزمه شيء من ذلك، أو لزمه دين في ذمته، أو عين في ذمته ... فلا يلزمه شيء من ذلك؛ لأن الأصل براءة ذمته، فإن الله خلق عباده كلهم أبرياء الذمم والأجساد من حقوقه وحقوق العباد، إلى أن تتحقق أسباب وجوبها. اهـ.

وقال الجويني -الشافعي- في (غياث الأمم): كل ما أشكل وجوبه، فالأصل براءة الذمة فيه، كما سبق في حقوق الأشخاص المعينين، فهذا منتهى المقصود فيما يتعلق بالأملاك من المعاملات، والحقوق الخاصة والعامة. اهـ.

والله أعلم.