عنوان الفتوى : نية التصدق بكسب الميسر لا تبيحه، وهي صدقة غير مقبولة
لدي وقت فراغ في عملي، ولا أجد شيئا أنفع به الفقراء، وكنتُ سابقاً قبل التوبة ألعب ألعابا، وأربح منها أموالا، وكنت جيداً في هذا المجال، وبعد أن علمت أنها من الميسر، وأنها من الحرام تركتها ابتغاء مرضات لله عز وجل.
فهل يجوز أن ألعب ثم أتصدق بالأموال على الأيتام والفقراء، ولا يدخل جيبي منها شيء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لعب الميسر؛ فإنه من كبائر الذنوب، وهو قرين الخمر في الحرمة، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ {المائدة: 90-91}.
ولا يبيح ذلك غرض التبرع بكسبه للأيتام والفقراء! فهذا من المصالح المهدرة في جنب إثمه، كما قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا {البقرة: 219}.
والتبرع بالمال لا يكون صدقة مقبولة يثاب عليها صاحبها إلا إذا كانت من كسب طيب، فإن الله تعالى لا يتقبل إلا من المتقين، كما قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة: 27}.
وقال سبحانه: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ {البقرة: 267}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. رواه مسلم.
فمن أنفق من كسب حرام لم يكن له أجر، بل يكون عليه وزر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جمع مالا حراما، ثم تصدق به؛ لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم، وصححه، وحسنه الألباني.
وقال -أيضا- صلى الله عليه وسلم: من اكتسب مالا من مأثم، فوصل به رحمه، أو تصدق به، أو أنفقه في سبيل الله؛ جمع ذلك كله جميعا، فقذف به في جهنم. رواه أبو داود في المراسيل، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.
والله أعلم.