عنوان الفتوى : حكم رجوع الوالدين في الهبة
اشترى لي والداي ذهبا في صغري، فلما كبرت كانت لي كمية منه. ولكن قبل زواجي لم ترغب أمي في أن آخذ الذهب؛ فأخذت مني جزءا منه دُفع كمقدمة لشقة باسم أبي، والجزء الآخر مع أمي.مع العلم أن لأمي ذهبها الخاص، وأيضا لي أخت لم تكن قد وُلِدت لما كانا يشتريان لي الذهب، ولما كبرت لم تكن تحب الذهب، فلم يشتريا لها.فهل لي أن أطلب من أمي ذهبي الذي معها؟ وهل لي أن يعوضاني عن الذهب الذي وُضع في الشقة أم ليس ذلك من حقي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ القضاء أو من ينوب منابه، وذلك لأنه الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوي والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
وما يمكننا إفادة السائلة به إجمالا وعموما، لا في خصوص سؤالها:
1) أن هبة الوالد لولده لو صحت ونفذت بقبض الولد لها بالفعل، فإنه يجوز للوالد الرجوع فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل أن يعطي عطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وراجعي في ذلك، وفي بيان شروط اعتصار الوالد هبته من ولده، الفتويين: 65302، 135413.
2) أن العدل بين الأولاد في الهبة مأمور به شرعا، فإن خص أحدهم بهبة دون مسوغ شرعي، فقد اختلف أهل العلم في صحتها، وفيما يجب عمله حينئذ.
قال ابن قدامة في «المغني»: يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية، إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل.
فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها؛ أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر.
قال طاوس: لا يجوز ذلك، ولا رغيف محترق. وبه قال ابن المبارك. وروى معناه عن مجاهد، وعروة. وكان الحسن يكرهه، ويجيزه في القضاء.
وقال مالك، والليث، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأى: ذلك جائز. اهـ.
ونص بعضهم على بطلان ما لم يتحقق فيه العدل من الهبات للأولاد، وأنه يجب رده إلى التركة بعد موت الوالد الواهب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجب عليه أن يرد ذلك في حياته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين أيضاً طاعة لله ولرسوله.
ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل؛ بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. اهـ.
وراجعي في ذلك الفتوى: 107734. والفتوى: 133718
والله أعلم.