عنوان الفتوى : التخلف عن الجماعة لعاهة مستديمة.. رؤية شرعية
أنا سؤالي هو أني أعاني من عاهة مستديمة وغريبة فعند ذهابي للمسجد في أوقات الصلاة أتعرض لأسئلة من بعض المصلين عن سببها وبعض المصلين يشخص نظره فيَّ لفترات طويلة والبعض ينظر إلي بضحك وبعض الأولاد الصغار يسبوني بذكر مكان العاهة وهذه العاهة سببت لي عقدة نفسية من الناس فصرت أصلي في وقت الصلاة في البيت لكي لا يحدث إحراج لأن هذا يسبب لي حالة ضعف وأحس أني ناقص عن بقية الناس فهل صلاتي في البيت جائزة ولا آثم على ذلك، أفيدوني على إيميل جزاكم الله كل خيرـــ وقال لي شيخ يشك أن هذه العاهة بسبب عين أو حسد ولم أجد من يرقيني فكيف أرقي نفسي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أداء الصلوات الخمس مع الجماعة واجب على الأعيان القادرين، والأدلة على ذلك كثيرة منها -على سبيل المثال- ما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذنه أعمى لا قائد له أن يرخص له أن يصلي في بيته قال: "هل تسمع النداء؟" فقال: نعم، قال "فأجب" فالحديث ظاهر الدلالة على وجوب إجابة المنادي لمن يسمع النداء، إلا إذا كان من أهل الأعذار المأذون لهم في التخلف عن صلاة الجماعة كالمريض لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر" قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: "خوف أو مرض، لم يقبل الله منه الصلاة التي صلى" رواه الإمام أحمد والحاكم.
قال ابن قدامة في المغني : ( ويعذر في تركهما- يعني الجمعة والجماعة- المريض في قول عامة أهل العلم . قال ابن المنذر : لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض , وقد روى ابن عباس , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر . قالوا : وما العذر يا رسول الله ؟ قال : خوف أو مرض . لم تقبل منه الصلاة التي صلى } . رواه أبو داود . وقد { كان بلال يؤذن بالصلاة ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض فيقول : مروا أبا بكر فليصل بالناس } . أ هـ
وقال النووي في المجموع قال أصحابنا : ومن الأعذار في ترك الجماعة أن يكون به مرض يشق معه القصد , وإن كان يمكن لأن عليه ضررا في ذلك وحرجا، وقد قال الله تعالى - : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فإن كان مرض يسير لا يشق معه القصد كوجع ضرس , وصداع يسير , وحمى خفيفة , فليس بعذر وضبطوه : بأن تلحقه مشقة كمشقة المشي في المطر , أ.هـ
قال السيوطي في الأشباه والنظائر( الأعذار المرخصة في ترك الجماعة نحو أربعين، المطر مطلقا، والثلج إن بل الثوب، والريح العاصف بالليل وإن لم يظلم، والوحل الشديد، والزلزلة والسموم وشدة الحر في الظهر، وشدة البرد ليلا أو نهارا، وشدة الظلمة ذكرها المحب الطبري هذه عامة، والباقية خاصة المرض والخوف على نفس أو مال... إلى أن قال: أو في طريقه من يؤذيه بلا حق ولو بشتم ولم يمكن دفعه، نقله الأذرعي .) أ. هـ
وعليه؛ فلا حرج أن تصلي في بيتك إن كان هذا المرض يسبب لك حرجا شديدا.
وننصحك بأمرين :
الأول: أن تحرص على أن تصلي جماعة في بيتك ولو مع واحد من أفراد أسرتك. قال في أسنى المطالب: ( قال الإسنوي: وإنما يتجه جعل هذه الأمور أعذارا لمن لا تتأتى له إقامة الجماعة في بيته وإلا لم يسقط عنه طلبها لكراهة الانفراد للرجل، وإن قلنا إنها سنة، قال في المجموع: ومعنى كونها أعذارا سقوط الإثم على قول الفرض، والكراهة على قول السنة؛ لا حصول فضلها)
الثاني: حضورك للصلاة في المسجد و صبرك واحتسابك ما يصلك من الأذى في سبيل الله خير لك، ولعل الناس يعتادون على رؤيتك ويصير ذلك أمرا طبيعيا، فمن خلال الواقع نشاهد أن كثيرا ممن ابتلاهم الله عز وجل بأنواع من العاهات والتشوهات الخلقية عندما خالطوا الناس ولم يعبأوا بكلام الناس ولا بنظرهم إليهم صار الأمر عاديا واندمجوا في المجتمع، وربما صار هذا التشوه الخلقي فيهم سببا في حب الناس لهم واحترامهم على صبرهم وجلدهم، فلا ننصحك أخي بالعزلة عن الناس والمجتمع بل كن شجاعا صابرا متحملا ما يصلك من الأذى بنفس واثقة وصدر رحب واستعن بالله ولا تعجز، واعلم أنما هو ابتلاء من الله ليرفع به درجاتك ويعظم به حسناتك، واطلب الدواء إن تيسر عند أهل الطب إن كان مرضا عضويا، وإن كان عينا أوحسدا فاذهب إلى من يرقيك، فإن لم تجد فارق نفسك والرقية الشرعية يمكنك الاطلاع عليها في الفتوى رقم: 13277
والله أعلم