عنوان الفتوى : حكم الهبة لبعض الأحفاد دون بعضهم
وهبني جدي منزلا لم يكتمل بناؤه بحجة أني سأتزوج، وليس لدي عمل، ولدي مرض الصرع، وعارضته عماتي بحجة أن لديهن أختا غير متزوجة، وهي كذلك مريضة بالصرع؛ لكي تسكن في هذا المنزل بعد وفاة جدي على الرغم من وجود ضعف هذا المنزل ملكا لجدي. فهل عليه حرج في هذه الهبة، وهل ظلم عمتي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على جدك في ذلك، وليس من الظلم أن يتصرف المرء في ماله، وهو حي، بالهبة، أو غيرها من التصرفات المشروعة؛ فإن التسوية في الهبة لا تجب، إلا بين الأبناء المباشرين، وأما غيرهم من الأحفاد، وسائر القرابات، فلا تجب، حتى على مذهب الحنابلة، والظاهرية الذين يوجبون التسوية بين الأبناء في العطية.
قال ابن قدامة في المغني: ليس عليه التسوية بين سائر أقاربه، ولا إعطاؤهم على قدر مواريثهم، سواء كانوا من جهة واحدة، كإخوة، وأخوات، وأعمام، وبني عم، أو من جهات، كبنات، وأخوات، وغيرهم. وقال أبو الخطاب: المشروع في عطية الأولاد، وسائر الأقارب، أن يعطيهم على قدر مواريثهم، فإن خالف، وفعل، فعليه أن يرجع، ويعمهم بالنحلة؛ لأنهم في معنى الأولاد، فثبت فيهم مثل حكمهم. ولنا، أنها عطية لغير الأولاد في صحته، فلم تجب عليه التسوية، كما لو كانوا غير وارثين، ولأن الأصل إباحة تصرف الإنسان في ماله كيف شاء، وإنما وجبت التسوية بين الأولاد بالخبر، وليس غيرهم في معناهم؛ لأنهم استووا في وجوب بر والدهم، فاستووا في عطيته. وبهذا علل النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "أيسرك أن يستووا في برك؟" قال: نعم. قال: "فسو بينهم". ولم يوجد هذا في غيرهم؛ ولأن للوالد الرجوع فيما أعطى ولده، فيمكنه أن يسوي بينهم باسترجاع ما أعطاه لبعضهم، ولا يمكن ذلك في غيرهم؛ ولأن الأولاد لشدة محبة الوالد لهم، وصرف ماله إليهم عادة، يتنافسون في ذلك، ويشتد عليهم تفضيل بعضهم، ولا يباريهم في ذلك غيرهم، فلا يصح قياسه عليهم، ولا نص في غيرهم. اهـ.
وقال ابن حزم في «المحلى بالآثار»: لا يحل لأحد أن يهب، ولا أن يتصدق على أحد من ولده، إلا حتى يعطي، أو يتصدق على كل واحد منهم بمثل ذلك ... ولا يلزمه ما ذكرنا في ولد الولد، ولا في أمهاتهم، ولا في نسائهم، ولا في رقيقهم، ولا في غير ولد. اهـ.
والله أعلم.