عنوان الفتوى : هل يجوز السكن في شقة غير مُوزعة بين الورثة.
أود أن أسأل عن حكم السكن في شقة مهجورة منذ سنين طويلة، وهذه الشقة في عقارٍ غير مُوزع بين الورثة، ولجدّي فيه نصيب لا يعرف قدره. وجدي على قيد الحياة ويسكن في شقةٍ من هذا العقار، وفي العقار أناس لديهم نصيب كالذي لجدي، وأيضا لا يُعرف قدره وهم يسكنون في شقق من هذا العقار. فالأمر فيه فوضى، وليس هناك اتفاق بين الورثة على الفرز أو البيع أو التقسيم ليُعرف كم لكل وارث؟ وأنا رجل متزوج، وقد سكنت في شقة من هذا العقار لأنني لا أستطيع استئجار بيتٍ بسبب الغلاء الحاصل في بلدنا، وقلة دخلي مع الرضى والشكر لله، مع العلم أن أغلب الورثة لم يعترضوا على سكني إلا وارثة واحدة.إن خرجتُ ستبقى الشقة مهجورة لمدة سنين ولن ينتفع أحدٌ بها، وإن تركتها في الحال سأتضرر؛ لأنني سأُبقي زوجتي عند أهلها أثناء بحثي عن شقة، والضرر الأكبر سيحصل بسبب الغلاء الحاصل في إيجار البيوت، وقلة الدخل كما ذكرتُ.فإن كان سكني غير جائز. فهل لي أن أبحث عن شقة وأنا ساكن؟أفيدونا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففصل النزاع في مسائل الميراث والحقوق المشتركة مَرَدُّهُ إلى القضاء، لقدرته على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الواقع، وإصدار الحكم المؤسس على ذلك. وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
وما يمكننا إجماله كقاعدة في إفادة السائل أنه لا يجوز لأحد أن ينتفع بملك غيره إلا بإذنه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع في أيام التشريق: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تَلْقَونه ... ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا؛ إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد.
فإن لم يكن للسائل ذاته نصيب من هذا الميراث، فلا يجوز له السكن فيه -ولو كان مهجورا- إلا بإذن أصحابه.
وقد ذكرالسائل أن وارثة من الورثة ترفض سكنه في الشقة، فلا بد من إذنها أو تعويضها عن حقها بأجرة ونحو ذلك؛ لأن كل وارث له سهمه من التركة، ويكون قبل القسمة سهما مشاعا.
وقول السائل: (أغلب الورثة لم يعترضوا على سكني) إن كان يعني به أنهم علموا وأذنوا، فهذا معتبر. وإلا فمجرد عدم الاعتراض لا يعتبر إذنا.
جاء في «الحاوي الكبير» للماوردي: ليس السكوت إذنا في استهلاك الأموال، ألا ترى لو أن رجلا خرق ثوبا على رجل وهو يراه، لزمه ضمانه ولم يسقط بسكوته. اهـ.
والشقة التي يسكنها جد السائل إن كانت تساوي نصيبه من التركة أو تزيد عليه، فليس له حق فيما سواها من العقار.
والتركة إن كانت عقارا قابلا للقسمة بين الورثة بحسب أنصبتهم الشرعية قُسم، وإن لم يكن قابلا لذلك فإما أن يقسم بينهم قسمة المهايأة أو المراضاة، وإلا لزم بيعه وقسمة ثمنه بينهم إذا أراد أحدهم سهمه.
وراجع في ذلك الفتويين: 66593، 114454.
والله أعلم.