عنوان الفتوى : هل يتعارض العلم التشريحي مع حديث (أما السن فعظم)؟
درستُ عِلم التشريح والطب. أعلمُ أنَّ الأسنان لها أوجُهُ تشابهٍ مع العظام من حيثُ اللون. كلاهما صلبٌ ويحتوي على الكالسيوم، لكن الأسنان ليست عظاما. إنَّها تخدمُ وظيفتين مختلفتين. مادَّةُ الأسنان ليست هي نفسها العظام. على الرغم من وجودِ أوجه تشابه إلا أنَّ هناك اختلافات كبيرة. هل عندما قال النبي إنَّ الأسنان عظم كان يتحدَّثُ بطريقة طبية وعلمية ويُصَنِّف الأسنان على أنها عظام ، أم أنه لاحظَ أوجه التشابه بينهما ، مثل التشبيه أو المجاز؟ إذا صنَّفَ الأسنان على أنها عظام ، فهذا غير صحيح تماما. بناء على ذلك ، هل يمكننا القول أنَّ النبي لم يقُل ذلك؟ ربما أضافه أحد الرواة أم يمكنُ أن نرُدُّ هذا الحديث ، لأنَّ رسول الله لا يمكن أن يقدِّمَ معلومات غير صحيحة . لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ، أَمَّا السِّنُّ عَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ
الحمد لله.
أولًا:
الأمر كما تفضلت؛ فمن الناحية العلمية الدقيقة يختلف تكوين الأسنان عن تكوين العظام، وبالتالي فليست عظامًا من الناحية التشريحية.
ثانيًا:
النبي عليه الصلاة والسلام عندما يتكلم يُجري كلامه على ما عهدته العرب، ولا يتكلم بلسان الأطباء، أو يقصد الإخبار بمعلومة تشريحية.
وأصل الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ما أنهَرَ الدَّمَ، وذُكِر اسمُ اللُهِ عليهِ: فكُلوهُ؛ ليس السِّنَّ والظُّفرَ، وسأُحدِّثُكُم عن ذلك: أما السِّنُّ؛ فعظمٌ، وأما الظُّفرُ؛ فمُدى الحَبَشةِ .
أخرجه البخاري(2488)، ومسلم(1968).
فالمقصود هنا هو الإخبار عما يمنع الذبح به، وقد منع رسول الله الذبح بالعظم، لأن شفرته ليست حادة، مما يؤدي إلا إيلام الذبيحة، فليس هو من إحسان الذبح الذي أمر به النبي عليه الصلاة والسلام رفقًا بالحيوان.
فمراد رسول الله أن السن كالعظم، لا حد له يكفي لجودة الذبح.
وفي معنى الحديث وجه آخر ذكره في "الديباج" (5/35) فقال:
"(أما السن فعظم): معناه ولا تذبحوا به؛ لأنه يتنجس بالدم، وقد نهيتكم عن الاستنجاء بالعظام لئلا تتنجس، لكونها زاد إخوانكم من الجن".
فعلى هذا القول: يكون المنع من الذبح بالسن أن هذا يفسدها على الجن التي تأكلها، فتكون السن من العظم الذي تأكله الجن، وبالتالي فلا علاقة لهذا بالدقة التشريحية، وإنما هو متعلق بعموم ما هو عظم تأكله الجن، حتى ولو كان يختلف عن العظم التشريحي من وجه ما.
بل لو تأملنا في نفس الحديث، لوجدناه يعلل المنع بالذبح بالظفر بأنه: "مدية"؛ فهل الظفر مدية ينطبق عليها اصطلاح أصحاب "المعادن"، أو صناع الأسلحة في المدية ما هي؟
الجواب: لا. وإنما المقصود أن الحبشة يستعملونها استعمال المدية، لأنها تشترك مع المدية في وظيفتها، التي هي القدرة على القطع.
بل إن الفقهاء ليسوا جميعا على التسوية بين "السن" و"العظم" في نفس الحكم الفقهي، فضلا عن الوصف التشريحي. قال الإمام أبو العباس القرطبي، رحمه الله:
"و(قوله: وسأحدِّثُك، أمَّا السِّنُّ: فعظمٌ. وأمَّا الظُّفُر: فمدى الحبش): ظاهر هذا: أنَّه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تنبيه على تعليل منع التذكية بالسِّنِّ بكونه عظمًا، فيلزم على هذا: تعدية المنع من السِّنِّ إلى كل عظم، من حيث: إنَّه عظم؛ متصلًا كان، أو منفصلًا. وإليه ذهب النخعي، والحسن بن صالح، والليث، والشافعي. وفقهاء أصحاب الحديث منعوا الذكاة بالعظم، والظُّفر كيف كانا، وأجازوه بما عدا ذلك للحديث. وهو أحد أقوال مالك، كما تقدَّم. وروي عن مالك التفريق بين السِّن والعظم؛ فأجازها بالعظم، وكرهها بالسنِّ، وهو مشهور مذهبه". انتهى، من المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (5/ 369). وينظر أيضا: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (26/429).
وكذلك في باب الديات؛ فإن للسن دية مقدرة، أما العظم فليس في كسره دية مقدرة، وإنما يحكم فيه القاضي بحسب حاله، وأثر الجناية فيه.
ولعله ذلك أيضا جاء في تعريف المعاجم (اللحي) بأنه: " العظم النابت فيه الأسنان" انظر: "إكمال الإعلام بتثليث الكلام" (2/563).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (461558)
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
هل يتعارض العلم التشريحي مع حديث (أما السن فعظم)؟ |