عنوان الفتوى : ما حكم قولهم: ما هذا بحق خالق الجحيم؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

يتجنب الكتاب المسلمون قول "ما هذا بحق الجحيم" كونها قسم بغير الله، فما حكم قول "ما هذا بحق خالق الجحيم"، وتقال عند الصدمة، ولا يقصد بها الإساءة إلى الله تعالى؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولا:

قولهم: ما هذا بحق الجحيم، قول منكر محرم؛ لأنه حلف بغير الله تعالى، وتشبه بأعداء الله، كما بينا في جواب السؤال رقم: (414049).

ثانيا:

إذا قال عند الصدمة أو غيرها: ماذا بحق خالق الجحيم، فهل تخلص بذلك من الحلف بغير الله؟

هذا يرجع إلى مراده بحق الله، والأظهر الأكثر استعمالا فيه أن حق الله: تعظيمه وطاعته وعبادته، وهذا فعل المخلوق، فيكون حالفا بالمخلوق، وهو محرم.

وقد يراد بحق الله: جلاله وعظمته، فيكون حلفا بصفة الله، وهذا جائز.

قال ابن قدامة رحمه الله: "وإن قال: وحق الله فهي يمين مكفرة. وبهذا قال مالك، والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا كفارة لها؛ لأن حق الله طاعته ومفروضاته، وليست صفة له.

ولنا، أن لله حقوقا يستحقها لنفسه؛ من البقاء، والعظمة، والجلال، والعزة، وقد اقترن عرف الاستعمال بالحلف بهذه الصفة، فتنصرف إلى صفة الله تعالى، كقوله: وقدرة الله. وإن نوى بذلك القسم بمخلوق، فالقول فيه كالقول في الحلف بالعلم والقدرة، إلا أن احتمال المخلوق بهذا اللفظ أظهر" انتهى من "المغني" (9/500).

وقال ابن نجيم رحمه الله: " (قوله: وحق الله) أي لا يكون يمينا، وهو قول أبي حنيفة، وهو قول محمد، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف. وعنه رواية أخرى أنه يكون يمينا؛ لأن الحق من صفات الله تعالى، وهو حقيقة فصار كأنه قال: والله الحق، والحلف به متعارف.

ولهما: أنه يراد به طاعة الله؛ إذ الطاعات حقوقه، فيكون حلفا بغير الله تعالى. وذكر في الاختيار أن المختار أنه يكون يمينا اعتبارا بالعرف اهـ." انتهى من "البحر الرائق" (4/ 311).

وقال عليش في "منح الجليل" (3/5): "(وحق الله): إن أراد عظمته أو استحقاقه الألوهية أو حكمه أو تكليفه، أو لم يرد شيئا.

فإن أريد به الحقوق التي له على عباده من العبادات التي أمرهم بها فليست بيمين" انتهى.

وقال النووي رحمه الله: "إذا قال: وحق الله لأفعلن كذا، فإن نوى به اليمين، فيمين، وإن نوى غيرها من العبادات وغيرها، فليس بيمين، وإن أطلق فوجهان، أحدهما: ليس بيمين، حكي عن المزني وأبي إسحاق، واختاره الإمام والغزالي، والصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه يمين، لأنه غلب استعماله في اليمين، فتصير هذه القرينة صارفة للفظ إلى معنى استحقاق الإلهية والعظمة" انتهى من "روضة الطالبين" (11/12).

وليس هذا الحلف شائعا بين المسلمين الآن، أي قولهم: وحق الله، أو أسألك بحق الله، حتى يقال: إنه غلب أو شاع العرف باستعماله يمينا يراد به صفة الله تعالى أي عظمته وجلاله.

ولهذا أفتت اللجنة الدائمة بتحريم الحلف بحق الله.

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/54): " ما حكم من حلف بلفظ: وحق الله؟

الجواب: لا يجوز الحلف إلا بالله أو صفة من صفاته، وحق الله هو عبادته وحده لا شريك له، وذلك من أفعال العباد، فلا يجوز الحلف به.

بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ" انتهى.

وأفتى الشيخ ابن باز رحمه الله بتحريم هذا الحلف.

ثانيا:

على فرض أن الحالف أراد صفة الله تعالى أي عظمته وجلاله، فقد أساء الأدب مع الله؛ إذ الله تعالى خالق كل شيء، وهو خالق الجنة والنار، فلم خص الجحيم بالذكر؟ واليمين مبناها على التعظيم، فهل يناسب التعظيم ألا يذكر من خلق الله إلا الشيء المكروه وهو الجحيم؟

والجواب أن الحامل على ذلك معروف، وهو التقليد الأعمى لمن أعمى الله بصائرهم من الكفار، فقد تخلص من الحلف بحق الجحيم، لكنه ما زال أسيرا لتعبيرهم، وهو تعبير رديء لفظا ومعنى، ولا يناسب إلا أصحاب الجحيم، أعاذنا الله منها ومنهم.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكافرين، كما في حديث ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ رواه أبو داود (4031)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5/109).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " وهذا إسناد جيد... وهذا الحديث أقل أحواله: أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )... فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه (منهم) : في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لهم كان حكمه كذلك.

وبكل حال: يقتضي تحريم التشبه؛ بعلة كونه تشبها... " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 240 – 242).

والحاصل:

أن هذا الحلف محرم؛ لأنه حلف بغير الله تعالى، وعلى فرض أن الحالف أراد بالحق صفةً لله، فهو محرم أيضا؛ لما في هذا التعبير من إساءة الأدب مع الله، والتشبه بالكافرين، ولولا التشبه لما استعمله مع ما فيه من الإساءة.

والله أعلم.