عنوان الفتوى : لا حرج في نصح الأخ لأخته وتربيتها بوجود أبويها المقصرين في توجيهها
لدي أخت عمرها إحدى عشرة سنة، ولي إخوة أيضا. والداي موجودان وهما المسؤولان عن تربية أختي الصغيرة. ولكني أراهما أحيانا يقصران في تربيتها، وخاصة من ناحية التعاليم الدينية، واللباس الشرعي والأحكام وإلخ .. جهلا بها، أو استخفافا بها.
فهل يجوز لي التدخل في بعض المسائل، مع العلم أن هذا يزعجهما، ويصفانني بالتشدد، ويقولان إنها ما زالت طفلة.
وللعلم أيضا أنا أصغر إخوتي، مما يجعلني أتجاوز من هم أكبر مني، وأحق بتربيتها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأختك هذه والتي ذكرت أنها قد وصلت إلى سن الحادية عشرة، فهي قد قاربت البلوغ، وقد تكون بلغت بالفعل.
وإذا لم يقم والداك بما يجب عليهما من أمر توجيهها وتربيتها التربية الحسنة، فلا حرج عليك في القيام بذلك، وليس لوالديك منعك منه.
فتوجيهك لها من النصيحة للمسلمين، وهو أمر مطلوب شرعا. ثبت في الصحيحين عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
وروى مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « الدين النصيحة » قلنا: لمن؟ قال: « لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم».
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وأما نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر، فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم، ويعينهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة.... انتهى.
وينبغي أن تراعي هذه الآداب التي ذكرها النووي في النصح من الإخلاص والشفقة والرفق والرحمة، وأن تحرص على أن تكون قدوة لها بأقوالك وأفعالك، وأن تطمئن والديك بحرصك على توجيهها إلى منهج الاعتدال. وكونك أصغر إخوتك لا يمنع شرعا من قيامك بهذا الدور، وخاصة إن لم يقم به الآخرون.
وينبغي تذكير والديك بأسلوب لطيف بأن هذه البنت أمانة عندهما، وأن الواجب عليهما القيام على أمر تربيتها التربية الحسنة، قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11}.
قال السعدي في تفسيره: أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم؛ لتقوموا بمصالحهم الدينية، والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ـ فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها؛ فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.
والله أعلم.