عنوان الفتوى : أعطت أولاده مالا ثم أصابها الخرف فهل يعطي أخواته أو أولادهن؟
منذ سنوات عهدت إليَّ والدتي ببعض مدخراتها، 100000 جنيه إسترليني عند تقاعدها من عملها، قرَّرت من طبعها الطيب أن تهديها لأطفالي الأربعة، ذكرت في ذلك الوقت أنَّ هذا غير عادل لأُختَاي، على الرغم من أنهما كانتا تحصلان على هدايا مختلفة، ذهب، ودعم مالي، لكنها أصرّت على أن تلك رغبتها، أنا أهتمُّ باحتياجات عائلتي، ويتم الآن استثمار هذه الهدية لصالح الأحفاد. قرأت في موقعكم السؤال:(67652) الذي اقتبس من حديث النعمان بن بشير. والآن لا يمكنني إعادة المال لأمي؛ لأنها تعاني من الخَرف الآن، البديل هو: إما تقسيمها بالتساوي بين الثلاثة أشقاء، أو استخدام مدخرات أخرى من والدتي للدفع لأُختَي، لا يمكنني الوصول إلى مدخرات أمي الأخرى أو الاحتفاظ بها حتى وفاتها، حين يصبح هذا موضوعا للإرث، والله وحده يعلم من سيموت أولا، فما هي أفضل طريقة للتعامل مع هذا التحدي؟
الحمد لله.
يجب العدل بين الأولاد في العطية والهبة؛ لما البخاري (2587 ) ، ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِم ْ؟) ، قَالَ : لَا ، قَالَ : (اتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ) فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَة.
ولمسلم (1623) : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا بَشِيرُ ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ ) ، قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : ( أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ ) ، قَالَ : لَا ، قَالَ : ( فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ) .
ولا يجب العدل بين الأولاد والأحفاد، فإذا أعطى الأحفاد لم يلزمه أن يعطي الأولاد، ما لم تكن العطية للحفيد حيلة على تفضيل الابن، فتحرم حينئذ.
فلا حرج أن تهب والدتك هذا المبلغ لأطفالك الأربعة، إذا كان المال لهم حقيقة، وليس حيلة ليكون لك دون أخواتك.
فإن كان حيلة، وجب التعديل بينك وبين أخواتك، فيلزمك قسمة المال بينك وبينهن، للذكر مثل حظ الأنثيين.
ثانيا:
إذا كان لوالدتك أحفاد آخرون، فهل يلزمها العدل بين الأحفاد جميعا في العطية؟
في ذلك خلاف، ومذهب الإمام أحمد وجوب العدل بينهم.
قال البهوتي في "كشاف القناع" (4/309): " (ويجب على الأب، و) على (الأم وعلى غيرهما) من سائر الأقارب: (التعديل بين من يرث بقرابة ، من ولد وغيره) كأب وأم ، وأخ وابنه ، وعم وابنه ، (في عطيتهم) ".
وذكر حديث النعمان بن بشير، ثم قال:
"فأمر بالعدل بينهم ، وسمى تخصيص أحدهم دون الباقين جورا ، والجور حرام ، فدل على أن أمره بالعدل للوجوب .
وقيس على الأولاد باقي الأقارب بجامع القرابة ، وخرج منه الزوجات والموالي فلا يجب التعديل بينهم في الهبة" انتهى.
وقال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (7/ 137):
" يحْتَمِلُ قَوْلُهُ " فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ " دُخُولَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ .
يُقَوِّيهِ قَوْلُهُ : " الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ " فَقَدْ يَكُونُ فِي وَلَدِ الْوَلَدِ مَنْ يَرِثُ .
وَهَذَا الْمَذْهَبُ . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ . وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ " انتهى .
وعليه؛ فإذا كان لوالدتك أحفاد آخرون، فعليك أن تقسم هذا المال بين جميع الأحفاد، للذكر مثل حظ الأنثيين.
واعلم أنه لا يجوز التصرف في أموال من أصابه الخرف إلا للنفقة عليه وعلى من يعول، لكن قيامك بالتعديل بينك وبين أخواتك، أو بين الأحفاد-إن وجدوا- لا حرج فيه؛ لأنه واجب عليها، وواجب عليكم في حال وفاتها.
والأفضل أن يكون التعديل بتوزيع ما أعطته أمك لأولادك، على الوجه الذي ذكرناه، بدلا من أن تأخذ من أموالها التي لم تقسم، فتعطيها للآخرين. ويتأكد ذلك إذا لم يمكنك الوصول إلى مدخرات أمك الأخرى.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |