عنوان الفتوى : نطقت بصيغة متضمنة للشرك جاهلة، وذهبت لمن يعالج من السحر
سيدة بينها وبين زوجها مشاكل كثيرة جدا تدمر حياتها، ذهبت لشيخ أستاذ في الشريعة الإسلامية، فأوصاها أن تقول الصيغة الآتية: اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، قد ضاقت حيلتي، أدركني يا رسول الله. ونصحها أيضا أن هناك رجلا لديه كرامة يستطيع أن يعلم إن كان هناك شيء معمول لزوجها، وقال لها بالحرف: أعرف الكثير ممن شفوا على يديه.
السيدة أخذت تكرر الصيغة بالصلاة على النبي لمدة عدة أيام، ثم استدركت وشكَّت إن كان ما تقوله شركًا بالله في طلب العون. المهم استغفرت، ونطقت الشهادتين عدة مرات، ولكن للأسف كان لديها المزيد من الثقة أن الشيخ لن يغرر بها. وذهبت إلى الرجل، وفي المرة الأولى أكد لها أن هناك سحرا لزوجها، وأخذ يسرد بعض تفاصيل زوجها، وأنه إن يرد إزالة السحر، سوف يدله على طريقة.
السيدة صارحتني أنها صدقت ذلك، واعتقدت أنه سيعطيها وصفة أعشاب، أو وصفة بالقرآن مجربة. رغم أنها متخاصمة مع زوجها، وكل في منزل منفصل. أخبرته بما حصل على أمل أن يوافق، وللأسف عندما رفض الزوج ذهبت هي في مكانه، وأخبرها الرجل أنه سيفعل ذلك من أجلها، وطلب اسم الزوج، ومكانه، وأخبر ابنته أن تكتب في الكراس سحرا عن بُعد.
عندما استفسرت قيل لها سيقوم الليل، ويدعو أن يفك الله عنه السحر، وهي من سذاجتها صدقت، وقالت لعل له دعاءً مستجابا. لكن يشاء الله أن يعيدها لرشدها، وتشك في كل الأمر، وأنها فعلت كبيرة عظيمة -أشركت بالله-. وبعد ذلك إتيان ساحر، وتصديقه، وهي استغفرت كثيرا، ونطقت الشهادتين كثيرا؛ نظرًا لأنها مصابة بالوسواس القهري. كلما قرأت فتوى عن شروط التوبة من الشرك تشك في صحة توبتها، وتعيد الاستغفار، ونطق الشهادتين.
الندم والخوف يعتصرانها مما تجرأت به على الله، وهي صادقة تماما في توبتها، وتريد أن تعرف كيف تحقق ذلك، وهل يلزم أن تغتسل بنية الدخول مجددا في الإسلام؟
هي كانت حائضا في تلك الفترة، واستغفرت، ونطقت الشهادتين بنية التوبة عامة دون تخصيص، ثم أعادت النطق والاستغفار بنية التوبة من قولها وفعلها. ثم شكت؛ لأنها لم تقرّ في نطقها أنها تستغفر وتتوب، وتقر بأن الله هو الشافي المعافي، وأنه من بيده الخير كله.
صدقًا في اليوم الواحد تنطق الشهادتين أكثر من عشر مرات، وتستغفر كثيرا، وتخشى إن كان اغتسالها من الحيض ليس صحيحا كي تعلم صحة صلاتها، وعباداتها، وهل إن كانت مرتدة وتابت، ينفسخ زواجها، ولا بد من طلاق.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الصيغة التي أرشد إليها الرجل المذكور هذه المرأة؛ لا شك في أنها تتضمن محذورا شرعيا، وهو الاستغاثة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تجوز الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولو كان المستغاث به ملكا، أو نبيا مرسلا، أو وليا صالحا. وتراجع للمزيد الفتوى: 53100.
والذي يظهر أن هذه المرأة قد نطقت هذه الصيغة، وهي تجهل أنها متضمنة للشرك، والجاهل لا يحكم بكفره؛ لأن العلم شرط من شروط الحكم بالكفر على الشخص، كما سبق بيانه في الفتوى: 721.
هذا بالإضافة إلى أنها قد استغفرت.
والرجل الذي يعالج السحر إن لم يظهر عليه شيء من صفات الدجالين من الإخبار بالغيب، أو الاستعانة بالجن؛ فلا حرج في الذهاب إليه، وعلى تقدير كونه دجَّالًا، فهي لم تذهب إليه، وهي تعلم أنه كذلك، ثم إن المسلم لا يكفر بمجرد إتيانه الكاهن وتصديقه له، حتى يعتقد أنه يعلم الغيب ونحو ذلك من صفات الربوبية، بل يكون كفره كفرا أصغر، وللمزيد انظري الفتوى: 380845.
وعلى كل تقدير بما أنها استغفرت بعد ذلك؛ فلا داعي للاستجابة للوساوس والأوهام، فهي باقية على الإسلام ، والعصمة الزوجية بينها وبين زوجها باقية.
وعليها أن تجتهد في علاج هذه الوساوس بالإعراض عنها أولا، وعدم الالتفات إليها بحال.
سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك؛ لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفّقون... انتهى.
ولتستعذ بالله من الشيطان الرجيم عند ورود الوساوس عليها، ولتكثر من ذكر الله، وتلاوة القرآن، ولتحرص على الرقية الشرعية، فهذه كلها من أهم أسباب العلاج، كما هو مبين في الفتوى: 3086.
وليجتهد الزوجان في تجنب المشاكل في الحياة الزوجية، وليجعلا التفاهم وسيلة لحلها إذا طرأت حتى لا يدخل الشيطان بينهما، ويترتب على ذلك الطلاق، فتتشتت الأسرة، ويضيع الأولاد.
وإن غلب على ظنهما أن السحر ونحوه سبب هذه المشاكل؛ فليحرصا على الرقية الشرعية، والاستعانة ببعض أهل الاستقامة في العقيدة والعمل إن احتاجا لذلك.
والله أعلم.