عنوان الفتوى : حكم من حلف بالطلاق على أن يترك الدخان وعاد إليه
هذا يقول: أنه حاول أن يتخلص من شرب الدخان، فحلف أخيراً بالطلاق قبل أن يدخل على زوجته؟ الشيخ: أعد الكلام من الأول. المقدم: يقول: أنا كنت مبتلى بشرب الدخان، وقد حاولت بشتى الوسائل على تركه، حتى أنني حدثت نفسي أنني سوف أطلق أو أحلف بالطلاق على أن لا أشربه، فقلت: يا رب! إني إن شربت الدخان فامرأتي طالق بالثلاث، وكان ذلك بعد أن عقدت النكاح وقبل الدخول عليها، والقصد من قدومي على هذا اليمين هو منع نفسي من هذه المصيبة التي هي شرب الدخان، ولكن بعد نصف ساعة لم أستطع فشربته، وكان هذا كله بيني وبين الله، لم يعلمه أحد، وبعد مدة جهزت على زوجتي وأعرست، وأنجبت منها أطفال، ثم حاولت ترك الدخان وقلت في نفسي أيضاً: إنني سوف أحلف بالطلاق عسى أن أوفق في تركه هذه المرة وقلت: يا رب! إن شربت الدخان فامرأتي طالق ثم طالق بالثلاث، وكان ذلك في مكان واحد وفي لفظ واحد ولم يفصله سوى كلمة، ثم إنني أنا كنت لا أعرف لها أي معنى في اللغة العربية، وكان ذلك الوقت وأنا في غربة وليس عندي سوى الله، ولم أبلغ الزوجة ولا غيرها، وكان هدفي ورغبتي هو منع النفس الأمارة بالسوء من شرب الدخان، ولكن في اليوم الثاني استرجعت وشربت الدخان مرة ثانية، ثم بعد مشيئة الله أقلعت عن شرب الدخان ولي خمسة عشر عام بعد أن تركته، والزوجة باقية عندي، أرجو فتواي من الله ثم من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حيث هدفي من هذا كله هو منع نفسي من هذه المصيبة التي هي شرب الدخان، وماذا يجب علي من كفارة، أدام الله سماحتكم لخدمة الإسلام والمسلمين، ووفقكم الله؟ play max volume
الجواب: لا ريب أن شرب الدخان محرم ومنكر ومضاره كثيرة، كما حقق ذلك جمع من أهل العلم، وكل من تأمل حال المدخنين وما ذكره أهل العلم وأهل الطب وأهل التجارب في الدخان عرف يقيناً مضرة الدخان وأنه من المحرمات ومن المنكرات التي يجب على كل من يتعاطاه أن يتركه وأن يحذره، وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنه محرم وأنه منكر، لا بالنص عليه، ولكن ببيان ما أحل الله لعباده وما حرم عليهم، فإنه سبحانه قال: و يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4].
فهو سبحانه بين أنه ما أحل إلا الطيبات و يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4] فالله جل وعلا أحل الطيبات لعباده وليس هو من الطيبات بل هو من الخبائث، ومن الموبقات، إذ الطيب ما نفعك وغذاك من دون مضرة.
أما هذا فهو ضار مؤذٍ في طعمه وآثاره السيئة ورائحته الخبيثة، فمضاره لا تحصى، وقال جل وعلا في وصف نبيه محمد ﷺ: يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157].
ولا شك أنه خبيث لمضاره الكثيرة كما بين ذلك أهل العلم، وكما بين ذلك الأطباء، وبين ذلك كل من جرب هذا الخبيث.
فالواجب على كل مسلم أن يحذر هذا البلاء وأن يكون عنده عزم صادق وقوة على تركه والحذر منه؛ لعل الله يسلمه من شره.
أما السائل فإن عليه كفارة يمين عن طلاقه في المرة الأولى والثانية؛ لأن هذا في حكم اليمين، ما دام قصده منع نفسه من شربه وليس قصده فراق أهله فإنه في حكم اليمين في أصح قولي العلماء، كما أفتى بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليه في مثل هذا، فعلى السائل أن يكفر كفارة يمين عن الطلقة الأولى وعن الطلاق الأخير، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، لكل مسكين نص صاع من التمر أو الحنطة أو الأرز، يعني: من قوت بلد حال المطلق، أو يكسوهم كسوة تجزيهم في الصلاة كقميص لكل واحد أو إزار ورداء لكل واحد، هذه هي الكفارة.
فعلى هذا يكون عليه عشرة أصواع، خمسة لليمين الأولى للطلاق الأول وخمسة للطلاق الأخير، عشرة أصواع لعشرة مساكين، كل مسكين يعطى صاعاً من الأرز أو من التمر أو غيرهما من قوت البلد، نصفه عن الطلاق الأول ونصفه عن الطلاق الأخير، ونسأل الله أن يثبتنا جميعاً على الحق، وأن يعيذنا والمسلمين جميعاً من نزغات الشيطان.