عنوان الفتوى : ينبغي على الإنسان اختيار الألفاظ التي تُفهِم المراد دون اللجوء إلى ما يؤدّي لمفاهيم مخالفة للشرع
قرأتُ كثيرًا حول استعمال بعض العبارات التي تكثر في بعض البلاد، مثل: (بَعْدِين مَعَ ربّك، خلّي الله على جنب...) خاصة في مواقف المشاحنات والغضب، علمًا أن معناها حسب العُرْف اللغوي: (بعدين معك، لا تحلِفْ بالله كذبًا) وبعضهم يقول: فيها سوء أدب مع الله، وبعضهم يقول: إن صاحبها كافر خارج من المِلّة، والقول الثاني أكثر، وكثير ممن كانوا يستعملونها ويصلّون ويصومون ويحجّون ويعتمرون هم الآن موتى، فهل تنفعهم صدقاتنا عنهم، ودعاؤنا لهم؟ وما معنى سوء الأدب مع الله تعالى؟ وهل الاستغفار بدعاء سيد الاستغفار يمحو ذنوب مثل هذه العبارات، أو الدعاء بـ: اللهم اغفر لي ذنبي كلّه صغيره وكبيره، ما أعلم منه وما لا أعلم؟ مع الاعتقاد أن هذين الدعاءين يمحوان كل الذنوب، دون تحقيق شرط الندم.
وقد قرأت أن الإنسان الذي يتلفّظ بهذه الألفاظ، يجب عليه أن ينطق الشهادتين، ثم يتوب ويندم، ولا تقبل له صلاة ولا صيام حتى ينطقها ويتوب، وفي هذه الحالة لا ينفعه عند الله تعالى تشهّده في الصلاة، ولا في الأذكار، خاصة أن كثيرًا منهم لا يعرف أنه خرج من الملّة، وبعضهم قد يستغفر ويمضي.
وبناء على هذه الألفاظ فهل معظم الذين يستعملون هذه الألفاظ كفار، ولا خلاص لهم في الآخرة، ولا ينطبق عليهم حديث: "من كان في قلبه ذرة إيمان دخل الجنة"؟ خاصة أن معظمهم لا يميّزون بين التوبة والاستغفار، فيقولون: أستغفر الله وأتوب إليه، ويسردون ما يحفظون من صيغ الاستغفار كل مساء وصباح.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب على الإنسان أن يصون لسانه عن قول ما لا يرضِي الله عز وجل، وأن يتريّث عند الكلام، ويختار من الألفاظ والعبارات ما يُفهَم منه مراده، دون اللجوء إلى ما يؤدّي لمعانٍ ومفاهيم مخالفة للشرع.
وفي الغالب لا يكون الشخص قاصدًا ذلك عند حديثه، لكن عند إطلاقه لتلك العبارات الدارجة على ألسنة بعض الناس دون تروٍّ، أو تدبّر في معانيها، يقع في المحظور دون علم.
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من خطورة الكلمة التي يلقِيها الإنسان ولا يهتم بها، فقال: وإن العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم. متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ عند مسلم: إن العبد ليتكلّم بالكلمة ما يتبيّن ما فيها، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب.
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث الأخير: معناه: لا يتدبّرها، ويفكّر في قُبحها، ولا يخاف ما يترتّب عليها، وهذا كالكلمة عند السلطان، وغيره من الولاة، وكالكلمة تقذف، أو معناه: كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم، ونحو ذلك.
وهذا كله حثّ على حفظ اللسان، كما قال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرًا، أو ليصمت.
وينبغي لمن أراد النطق بكلمة، أو كلام، أن يتدبّره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلّم، وإلا أمسك. اهـ.
أما بالنسبة لهذه الألفاظ المسؤول عنها خصوصًا، فلا نستطيع الحكم عليها؛ لعدم معرفتنا بمدلولها في عُرْف المتكلّم بها.
والشرح الذي ذكر السائل لم يوضحها كما ينبغي؛ فلذلك ننصح بتوجيه السؤال عنها إلى علماء البلد الذي تستخدم فيه تلك العبارات، فهم الأعرف بمدلولها وما يراد منها .
وأخيرًا: ننبه إلى أن من صدرت منه أقوال توجِب ردّته؛ فلا يُحكم بكفره بمجرد ذلك؛ لأنه قد يكون جاهلًا بالحكم، أو تكون له شبهة تمنع من تكفيره، أو يكون الحكم لم يظهر بين المسلمين، ونحو ذلك؛ فهذا لا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة، وتزول عنه الشبهة، فإن أصرّ بعد ذلك، حُكم بكفره، وانظر الفتوى: 188217.
والله أعلم.