عنوان الفتوى : حكم وصف مسلم بأنه أضل من البهيمة

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يجوز أن يقال لإنسان معين: إنه أضل من البهيمة، كما روى الحاكم وصححه الذهبي أن أعرابيًّا قال: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا تشرك في رحمتنا أحدًا ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما تقولون؟ أهو أضل أم بعيره؟ وكيف نفرق بين ما يجوز في هذا الباب، وما لا يجوز من الشتم؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل أنه لا يجوز وصف المسلم بمثل هذا، لكونه من جملة السب وفحش القول، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء. رواه الترمذي وحسنه وأحمد، وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. متفق عليه. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: ليس لنا مثل السوء. رواه البخاري. وانظر للفائدة الفتوى: 138173.

ثم يستثنى من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، أو تغلب فيه المصلحة، كما تباح الغيبة من أجل ذلك في بعض الأحوال، ولذلك أخرج أبو داود هذا الحديث وبوَّب عليه: «‌‌باب من ليست له غيبة».

وقال ابن القيم في «تهذيب سنن أبي داود»: إدخال أبي داود هذا الحديث هنا يريد به أنّ ذِكر الرجل بما فيه في موضع الحاجة ليس بغيبة مثل هذا، ونظيره ما تقدم من حديث عائشة المتفق عليه: «ائذنوا له فبئس أخو العشيرة». بوّب عليه البخاري: "باب غيبة أهل الفساد والريب. اهـ.

وقال السهارنفوري في «بذل المجهود»: كتب مولانا محمَّد يحيى المرحوم في "التقرير" قوله: "هو ‌أضلّ ‌أم ‌بعيره"، فيه دلالة على أن إظهار العيب لإظهار الحق، ودلالة الناس على الهدى غير منهي عنه، فمن اقتدى به الناس وهو غير متأهل لذلك، وجب عليهم كافة إظهار معائبه، والتشنيع على مثالبه، لئلا تفتن الخليقة به. اهـ.

وقال المقريزي في «إمتاع الأسماع» عند حديث "ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة"، قال: أما لين الكلام لهذا الرجل، فإنه -صلى الله عليه وسلم- فعله حقيقة من أجل شره، ونبَّه بما قاله في غيبته على صفته ليحذر منها أمته، أو ليعامل من هو بحاله مثل ما عامله به -صلى الله عليه وسلم-، وهذا من قبيل الدفع بالتي هي أحسن. وبهذا أيضًا يجاب عما خرجه أبو داود في باب من ليست له غيبة – وذكر هذا الحديث – اهـ.

وقال الملا على القاري في «مرقاة المفاتيح»: (هو ‌أضل ‌أم ‌بعيره) أي: أجهل (ألم تسمعوا إلى ما قال؟) فيه تنبيه على أنه يستحق أن يقال في حقه ما قال ... وقال الطيبي: أيدور هذا الترديد في ظنكم؟ ولا يقول ما قال إلا جاهل بالله وسعة رحمته، حيث يحجر الواسع. اهـ.

وقال عبد الحق الدهلوي «لمعات التنقيح»: قوله: نسب إليه الضلالة، والمراد به الجهل، لأنه ضيق رحمة اللَّه الواسعة، فالحجر في الدعاء ممنوع، بل ينبغي أن يشرك في دعائه المؤمنين كما هو المأثور، هذا ما قالوا، وأيضًا في تشريكه نفسه مع صلى الله عليه وسلم في الرحمة الخاصة المخصوصة به صلى الله عليه وسلم سوء أدب لا يخفى. اهـ.

وانظر لمزيد الفائدة الفتوى: 203881.

وإذا لم يتبين للمسلم دخول شخص ما في الاستثناء، وجواز وصفه بمثل هذا، فليتمسك بالأصل، وليحفظ لسانه.

هذا؛ وليعلم أنَّ تبيُّنَ ذلك لا يتأتى لكل أحد؛ فإنه يحتاج إلى علم بالشرع وبالواقع جميعًا، مع الورع وتحري الصدق، فمن لم يكن كذلك فليمسك عن أعراض المسلمين، وليتجنب الإساءة إليهم، فقد يخطئ المرء في علمه وفي حكمه على غيره، كما قال الصُّبَيُّ بْنَ مَعْبَدٍ: كُنْتُ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمْتُ، فَأَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَسَمِعَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا بِالْقَادِسِيَّةِ، فَقَالَا: لَهَذَا ‌أَضَلُّ ‌مِنْ ‌بَعِيرِهِ، فَكَأَنَّمَا أحمل عَلَيَّ جَبَلًا بِكَلِمَتِهِمَا، فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، هُدِيتَ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، واللفظ له، وصححه ابن حبان، والدارقطني في العلل. وقال ابن كثير في البداية والنهاية: هذه أسانيد جيدة على شرط الصحيح. اهـ.

والشاهد هنا هو قوله: "فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا"، قال الهرري في شرح سنن ابن ماجه: (فلامهما) ووبخهما على ذلك الكلام الذي قالا لي. اهـ.

والله أعلم.