عنوان الفتوى : صرف الخاطب قد يكون وراءه خير كثير

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

إذا كان الله يعلم أن الشخص الفلاني الذي أبدى محبته ورغبته للتقدم لخطبتي ـ عندما تنقضي ظروفه الخاصة ـ سيخلف وعده بعد سنةٍ من انتظاري له، وأنه لا خير فيه لي، فلماذا لا يبعده عني هو وغيره ممن يؤذونني؟ لماذا أظهره في طريقي من الأصل إن كان يعلم أنه سيؤذي قلبي ويجرحني، ولن يجمعني به في الحلال أبدًا؟ علماً أنني أصلي وأصوم وأتصدق، وأفعل الخير للناس، وأحاول أن لا أفعل شيئاً حراماً على الرغم من معاناتي ورغبتي في التزوج منذ أكثر من 10 سنواتٍ، فالنار في قلبي لا أقدر على وصفها، لدرجة أنني أصبحت أدعو الله أن يقسي قلبي وأن لا يدع قلبي بعد اليوم يعجب، أو يحب أي بشر، ما عدا الإنسان الذي كتبه قسمةً لي في علم الغيب، مجروحةٌ لدرجة أنني أقول لله إن كنت فعلاً تحبني، وتريد أن تثلج صدري دعه يرجع لي حتى أرفضه أنا، وأطفئ نار قلبي، وأرد اعتباري وكرامتي؟
أرجو الرد جزاكم الله خيراً.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسال الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي تسعدين معه، ويرزقك منه ذرية طيبة تقر بها عينك، والذي يعينك فيما تبتغين هو أن تتوجهي لربك بالدعاء وتحصيل شروط وأسباب إجابته، والابتعاد عما يمنع من الإجابة، وسبق لنا بيان آداب الدعاء وشروط إجابته في الفتوى: 119608، فراجعيها.

ومن دعا ولم يستجب دعاؤه، فليتهم نفسه، وأنه قد يكون التقصير من جهته، كأن لا يكون قد حقق أسباب الإجابة، أو أتى بشيءٍ من الموانع، ومن الموانع تعجل الإجابة، كما في صحيح مسلمٍ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثمٍ، أو قطيعة رحمٍ، ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
وليس للمسلم أن يعترض على رب العالمين، فيقول لماذا لم يفعل؟ أو إن كان يعلم أن كذا لن يقع، فلم يقدرعلي التعلق به مثلاٍ؟ فإنه سبحانه لا يسأل عما يفعل، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، قال تعالى: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ {الرعد:41}، وقال: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.

والمرجع في أمر الإجابة إلى علمه وحكمته، فإن استجاب وأعطى فلحكمة، وإن لم يستجب ومنع فلحكمة، ومن حكمته أن الإجابة تكون مما فيه مصلحة عبده أو أمته، فلا يلزم أن يعطي الداعي ما طلب، بل قد يعطيه ما هو أفضل له، وتخفى حكمة ذلك على الداعي، كما في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن أبي سعيدٍ الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها أثمٌ ولا قطيعة رحمٍ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاثٍ: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر.

ثم إنه ما يدريك أن يكون في زواجك من هذا الرجل خيرٌ، فقد تحب المرأة رجلاً وتتمنى الزواج منه، ويتحقق لها ذلك، وتنقلب حياتها معه جحيماً، ولذلك ينبغي تفويض الأمر لله، لأنه عز وجل أعلم بعواقب الأمور، وقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.

وننبه في الختام إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يمتن على ربه عز وجل بعملٍ صالحٍ عمله، فلولا توفيقه تعالى له لم يتيسر له القيام به، قال سبحانه: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {الحجرات:17}.

والحذر من هذا المسلك واجب؛ لأنه قد يؤدي إلى حبوط ثواب العمل.

والله أعلم.