عنوان الفتوى : مذهب الشافعية في وصول ثواب القرآن للميت
قرأت مقالاً في موقعكم على الإنترنت يتعلق بقراءة القرآن للميت، ذكرتم فيه قول الإمام النووي، أن جمهور الشافعية يقولون: بأنه لا يصل إليه، أنا من بلد أغلبية شافعية، تحدثت إلى الإمام الرئيسي في مسجدنا وهو شافعي فقال: هذا غير صحيح وطلب الدليل، بحثت عن شرح مسلم للإمام النووي ولم أحصل على نسخة. هل يمكن ذكر الخلاف في أقوال المذهب الشافعي، والقول المعتمد عندهم، وتقديم المراجع والأدلة التي يمكنني عرضها على الإمام، وإرشادهم إلى الصواب؟
الحمد لله.
اختلف الفقهاء في وصول ثواب القراءة للميت، مع اتفاقهم على وصول ثواب الدعاء والصدقة والحج.
والمشهور من مذهب الشافعية عدم وصول ثواب القراءة.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (1/90) طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت: "وأما قراءة القرآن: فالمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت.
وقال بعض أصحابه: يصل ثوابها إلى الميت.
وذهب جماعات من العلماء إلى أنه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات، من الصلاة والصوم والقراءة وغير ذلك. وفي صحيح البخاري في باب من مات وعليه نذر أن ابن عمر أمر من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلي عنها.
وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهويه أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت.
ومال الشيخ أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخرين في كتابه الانتصار إلى اختيار هذا.
وقال الإمام أبو محمد البغوي من أصحابنا في كتابه التهذيب: لا يبعد أن يطعم عن كل صلاة مد من طعام.
وكل هذه المذاهب ضعيفة، ودليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج فإنها تصل بالإجماع.
ودليل الشافعي وموافقيه: قول الله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)" انتهى.
وفي فتاوى النووي رحمه الله ص 83 طبعة دار البشائر، بيروت:
" هل يَصلُ إِلى الميت ثوابُ ما يُتصدق به عنه، أو الدعاء، أو قراءةُ القرآن؟.
الجواب: يصله ثوابُ الدعاء، وثوابُ الصدقة بالِإجماعْ.
واختلفوا في ثواب القراءة، فقال أحمد وبعض أصحاب الشافعي: يصل.
وقال الشافعي والأكثرون: لا يصل" انتهى.
ومن الشافعية من قال بوصول ثواب القراءة للميت كما ذكر النووي، ومنهم من جعل ذلك مشروطا بشروط وهي أن يكون حاضرا عند الميت، أو ينويه، أو أن يدعو عقب القراءة، وأن يجعل له مثل الثواب لا نفس الثواب.
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (4/ 110) طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، في شرح قول المنهاج: "وتنفع الميتَ صدقة ودعاء من وارث وأجنبي" :
"تنبيه: كلام المصنف قد يفهم أنه لا ينفعه ثواب غير ذلك، كالصلاة عنه قضاء أو غيرها، وقراءة القرآن. وهذا هو المشهور عندنا، ونقله المصنف في شرح مسلم والفتاوى عن الشافعي - رضي الله عنه – والأكثرين.
واستثنى صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف، وقال: يأتي بهما الأجير عن المحجوج عنه تبعا للطواف، وصححاه.
وقال ابن عبد السلام في بعض فتاويه: لا يجوز أن يجعل ثواب القراءة للميت؛ لأنه تصرف في الثواب من غير إذن الشارع.
وحكى القرطبي في التذكرة أنه رئي في المنام بعد وفاته فسئل عن ذلك: فقال: كنت أقول ذلك في الدنيا، والآن بان لي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت.
وحكى المصنف في شرح مسلم والأذكار وجها: أن ثواب القراءة يصل إلى الميت كمذهب الأئمة الثلاثة، واختاره جماعة من الأصحاب منهم ابن الصلاح، والمحب الطبري، وابن أبي الدم، وصاحب الذخائر، وابن أبي عصرون، وعليه عمل الناس، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وقال السبكي: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط: أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه، نفعه؛ إذ ثبت أن الفاتحة، لَمَّا قصد بها القارئُ نفعَ الملدوغ نفعته، وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: وما يدريك أنها رقية، وإذا نفعت الحي بالقصد، كان نفع الميت بها أولى اهـ.
وقد جوز القاضي حسين الاستئجار على قراءة القرآن عند الميت.
وقال ابن الصلاح: وينبغي أن يقول: اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان، فيجعله دعاء، ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد، وينبغي الجزم بنفع هذا؛ لأنه إذا نفع الدعاء وجاز، بما ليس للداعي؛ فلأن يجوز بما له أولى، وهذا لا يختص بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال" انتهى.
وقال الجلال المحلي في "شرح المنهاج" (3/176) طبعة دار الفكر، بيروت:
"فرع: ثواب القراءة للقارئ، ويحصل مثله أيضا للميت، لكن: إن كانت بحضرته، أو بنيته، أو يجعل مثل ثوابها له بعد فراغها، على المعتمد في ذلك.
وقول الداعي: اجعل ثواب ذلك لفلان، على معنى المثلية" انتهى.
وقال عميرة في حاشيته عليه: "قول المتن: (وينفع الميت صدقة) قال الزركشي معنى ذلك على المشهور أن يصير الميت كأنه تصدق، أي بخلاف الدعاء، فإنه شفاعة أجرها للشافع، ومقصودها للميت ثم إطلاقه الصدقة: يشمل الوقف، وقد حكاه الرافعي عن صاحب العدة في وقف المصحف، وقال: ينبغي أن يلحق به كل وقف.
ثم أفهمتْ عبارةُ الكتاب عدم نفع القراءة للميت، وهو المشهور؛ خلافا للأئمة الثلاثة.
لكن اختار الوصول جماعة من أئمتنا، منهم ابن الصلاح. قال: وينبغي أن يقول: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه لفلان.
قال: والآية والخبر لا يدلان على بطلان هذا؛ أما الآية فلأن المراد: لا حق له، ولا جزاء إلا فيما سعى، ولا يدخل في ذلك ما تبرع الغير به؛ إذ لا حق له فيه، ولا مجازاة، وإنما أعطاه غيره تبرعا. والحديث وارد في عمله وهذا عمل غيره.
وحمل غيره المنع على ما إذا قصد أن يكون ثواب القراءة للميت عن غير دعاء عقبه" انتهى.
وحاصل ما تقدم: أن مشهور المذهب، أنه لا يصل ثواب القراءة للميت. وهو المنقول عن نص الشافعي، وعن الأكثرين.
والقول الثاني في المذهب أنه يصل ثواب القراءة مطلقا، وفاقا للجمهور.
والقول الثالث أنه يصل بشروط.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |