أرشيف المقالات

تكاثرت الإبر على الثوب

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
تكاثرت الإبر على الثوب


تكاثرت الإبر حتى وَهَنَ الثوب، وكان يجدر به أن يتماسك، لا أن يبلى، ولكنه كان واهنًا جدًّا، حتى مزقته الإبر بدلًا من أن تُرَمِّمَه، وهكذا هي الابتلاءات تُوهِن قلوبًا، وترمم أرواحًا، قلوب يمر عليها البلاء إثر البلاء، فتظل تتردى حتى تسقط، تسيء الظن، تتسخط، وتتساءل مستنكرة: لِمَ يا رب؟ وتنسى ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، هكذا الحليم يعفو عن كثير، وهكذا العبد الظلوم يسيء وينسى، أهذا ظنك يا قلبُ بربٍّ كبير، لا تساوي الدنيا عنده جناح بعوضة، برب قريب يبتلي ليهذب لا ليعذب، برب جعل لك في كل شوكة أجر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه))؛ [الراوي: أبو هريرة، المحدث: البخاري].
 

أهذا ظنك برب خلق السماوات والارض لك: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22]؟
 
ولكنه الكريم أراد لنا العلا، وقصرت أعمالنا عن بلوغها، فابتلانا لنصبر وننالها.
 
اصبر يا قلب، إياك والسخط، إياك والضجر، فما ابتلاك إلا ليطهرك ويرقيك، إلا ليطلع من قلبك الصبر، ثم الرضا مع التسليم.
 
يا قلب، إنما الإبر لترممك، فتظل تَقْوى وتقوى حتى ترقى في منازل القرب، لتطهر قلبك حتى تصلح لمجاورة الرب، ألَا تتأمل في حال أيوب؟ ألا تَعتَبِر بقصته؟ ابتُلي بالألم، ابتُلي بفقد المال والأحبة والمرض فصبر، بل كان نعم العبد، إنه أواب، رمَّمت الآلام روحَه فَزَكَتْ، علِم أن له ربًّا ملكًا يملك ما في السماوات والأرض، ربًّا غنيًّا وهابًا لا يعجزه أن يهب عبده ما يشاء، ولكنه رضي عن أفعال الله، أحسن الظن برب حكيم، رضي بسويعات من الألم وإن طالت، فهي درجات للقرب.
 
حسنًا يا قلب، أمَا زِلْتَ تتألم؟
كفى، والله ما تركك ربك دون أن يطمئنك: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48].
 
اصبر يا قلبُ وسبِّح، اصبر وناجِ ربك، وادعُ؛ ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
 
ألا تنادي ربك، وتكون من أولي الألباب فتُرحم وتتذكر؛ ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 43]؟
 

وأخيرًا: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147].

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن