عنوان الفتوى : هجر الصديق الذي يؤذي صديقه أمام الآخرين
صديقتي تستنقصني أمام بقية صديقاتي، وتتعمّد تجريحي وإيذائي دائمًا، فهل هجرها دون إساءة محرم؟ وشكرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالهجر يشرع إذا أراد المسلم أن يدفع به عن نفسه مضرّة قد تلحقه في دِينه، أو دنياه، ولا يجوز الهجر لمجرد حظ من حظوظ الدنيا، قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: قالوا: وإذا خاف من مكالمة أحد، ومواصلته ما يفسد عليه دِينه، أو يدخل عليه مضرّة في دنياه؛ يجوز له مجانبته، والحذر منه؛ فرب هجر جميل، خير من مخالطة مؤذية... اهـ.
فإن كانت صديقتك على ما ذكرت من تنقصّها، وإيذائها لك؛ فهي مسيئة إساءة بالغة؛ فالسخرية من الخلق، واحتقارهم؛ قد جاءت النصوص بالنهي عنها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ {الحجرات:11}، وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة. قال: «إن الله جميل، يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس».
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وغمط الناس: هو احتقارُهم، وازدراؤهم؛ وذلك يحصُل مِنَ النَّظرِ إلى النَّفس بعينِ الكمالِ، وإلى غيره بعينِ النَّقص. اهـ.
وينبغي أن تبذلي النصح لصديقتك هذه، أو تسلّطي عليها من بقية صديقاتك من تنصحها بالحسنى، وتنبّهها على خطأ وخطر مثل هذه التصرفات التي تصدر منها تجاهك؛ فلعلها تدكر فتزدجر.
فإن تم ذلك، فالحمد لله، وإلا فيجوز هجرها، ولكن الهجر ينبغي أن يصار إليه، إن رجيت مصلحته، فإن خشيت أن يزيدها ذلك عنادًا؛ فتأليفك قلبها أولى، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: فإن كانت المصلحة في ذلك -أي: في هجر العاصي- راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر، وخفيته؛ كان مشروعًا.
وإن كان لا المهجور، ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته؛ لم يشرع الهجر.. بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قومًا، ويهجر آخرين. اهـ.
والله أعلم.