عنوان الفتوى : أحكام من زنى بخطيبته وحملت ثم تزوجها
رجل زنى بمخطوبته، فحملت. وهو يشهد بأنها كانت ذات خلق قبل وقوعهم في المنكر، ولا يعرف لماذا وقعوا فيه، وتزوجها، وأنجب الطفل، ونسبه إليه. وهو وزوجته تابوا إلى الله توبة نصوحا، وأصبحوا من العابدين الذاكرين. وبعد الزواج سمع بأن زواجه باطل. فماذا يفعل؟ هل يطلق زوجته، ويرمي الطفل. أرجو الإجابة بما يسهل على المؤمنين، ويحقق مرضات الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في كون الزنا من أفحش الذنوب، ومن أكبر الكبائر، ولذلك نهى الله -تعالى- عن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه. وجاءت الشريعة بسد الذرائع المفضية إلى تلك الفاحشة، كمنع الخلوة، والاختلاط المريب.
لكنّ تهاون بعض الناس في هذه الضوابط، ولا سيما بين الخاطبين أدى إلى الوقوع في تلك الكبيرة التي تغضب الله، وتفسد المجتمعات.
وقد اختلف أهل العلم في صحة نكاح الزانية؛ والمفتى به عندنا؛ أنّه لا يصح الزواج من الزانية إلا بعد استبرائها، وتوبتها من الزنا.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإذا زنت المرأة، لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين؛
أحدهما: انقضاء عدتها،....... وقال أبو حنيفة والشافعي: لا عدة عليها؛ ............
والشرط الثاني، أن تتوب من الزنا، وبه قال قتادة، وإسحاق، وأبو عبيد. وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا يشترط ذلك. انتهى مختصرا.
ولا يلحق ولد الزنا بالزاني عند جماهير العلماء.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وولد الزنى لا يلحق الزاني في قول الجمهور. انتهى. وهذا هو المفتى به عندنا.
لكن بعض أهل العلم يرون جواز استلحاق ولد الزنا بالزاني، إذا لم تكن المرأة فراشا لغيره.
جاء في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار): لو نكحها الزاني حل له وطؤها اتفاقا، والولد له، ولزمه النفقة... (قوله: اتفاقا) أي منهما (أبي حنيفة ومحمد بن الحسن)، ومن أبي يوسف. انتهى.
وجاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية -رحمه الله-: والمقصود هنا الكلام في "نكاح الزانية" وفيه مسألتان: "إحداهما" في استبرائها، وهو عدتها، وقد تقدم قول من قال: لا حرمة لماء الزاني. يقال له: الاستبراء لم يكن لحرمة ماء الأول؛ بل لحرمة ماء الثاني؛ فإن الإنسان ليس له أن يستلحق ولدا ليس منه، وكذلك إذا لم يستبرئها، وكانت قد علقت من الزاني. وأيضا ففي استلحاق الزاني ولده إذا لم تكن المرأة فراشا قولان لأهل العلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» فجعل الولد للفراش؛ دون العاهر. فإذا لم تكن المرأة فراشا، لم يتناوله الحديث، وعمر ألحق أولادا ولدوا في الجاهلية بآبائهم، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة. انتهى.
وعليه؛ فما دمت تزوجت المرأة، ونسبت الولد لك؛ فالذي نراه؛ أنّه لا مانع من العمل بقول من يصحح هذا الزواج والنسب؛ مراعاة لما يترتب على الإبطال من مفاسد.
قال الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات: فالنكاح المختلف فيه قد يراعى فيه الخلاف، فلا تقع فيه الفرقة إذا عثر عليه بعد الدخول، مراعاة لما يقترن بالدخول من الأمور التي ترجح جانب التصحيح. وهذا كله نظر إلى ما يؤول إليه ترتب الحكم بالنقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدة توازي مفسدة النهي أو تزيد. انتهى.
والله أعلم.