عنوان الفتوى : تفضيل مكة على المدينة
قرأت كتابا عن فضل المدينه وجاء فيه أن العلماء اتفقوا على أن المدينه افضل من مكه وأن الصلاه فيها أفضل من الصلاه في مكه فما صحه ذلك ؟
الحمد لله :
أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَمَاكِنِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِمَا أَوْدَعَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ فَضْلِهِ , وَمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ إكْرَامِهِ لِعِبَادِهِ لَا بِصِفَاتٍ قَائِمَةٍ فِيهَا, لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ فِي الْأَصْلِ مُتَمَاثِلَةٌ وَمُتَسَاوِيَةٌ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ وَالْمَدِينَةَ الْمُنَوَّرَةَ هُمَا أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّهُمَا أَفْضَلُ ؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إلَى أَنَّ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ لِوُجُوهٍ عَدَّدَهَا الْعُلَمَاءُ، أَحَدُهَا : وُجُوبُ قَصْدِهَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَهَذَانِ وَاجِبَانِ لَا يَقَعُ مِثْلُهُمَا فِي الْمَدِينَةِ.
الثَّانِي : إنْ فَضُلَتْ الْمَدِينَةُ بِإِقَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ كَانَتْ مَكَّةُ أَفْضَلَ مِنْهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ فِيهَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا.
الثَّالِثُ : إنْ فَضُلَتْ الْمَدِينَةُ بِكَثْرَةِ الطَّارِقِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْهَا بِكَثْرَةِ مَنْ طَرَقَهَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصَّالِحِينَ.
الرَّابِعُ : إنَّ التَّقْبِيلَ وَالِاسْتِلَامَ ضَرْبٌ مِنْ التَّقْدِيسِ وَالِاحْتِرَامِ ، وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ.
الْخَامِسُ : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْنَا اسْتِقْبَالَهَا فِي الصَّلَاةِ حَيْثُمَا كُنَّا مِنْ الْبِلَادِ وَالْفَلَوَاتِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْنَا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ.
السَّادِسُ : إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْنَا اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.
السَّابِعُ : إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَلَمْ تَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ إلَّا لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
الثَّامِنُ : إنَّ اللَّهَ بَوَّأَهَا لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَلِابْنِهِ إسْمَاعِيلَ عليهما الصلاة والسلام، وَجَعَلَهَا مَوْلِدًا لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ عليه الصلاة والسلام.
التَّاسِعُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” اغْتَسَلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ ” وَهُوَ مَسْنُونٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ.
الْعَاشِرُ : إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَثْنَى عَلَى الْبَيْتِ فِي كِتَابِهِ بِمَا لَمْ يُثْنِ بِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ : { إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ }.
الْحَادِيَ عَشَرَ : مِنْ شَرَفِ مَكَّةَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُكْرَهُ فِيهَا فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ }.
الثَّانِيَ عَشَرَ : الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ تَعْدِلُ مِائَةَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَلَيْسَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إلَى أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ الْحَطَّابُ : وَهُوَ – أَيْ كَوْنُ الْمَدِينَةِ أَفْضَلَ مِنْ مَكَّةَ – قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ . 8 – وَهَذَا الْخِلَافُ يَجْرِي فِيمَا عَدَا مَا ضَمَّ الْأَعْضَاءَ الشَّرِيفَةَ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ مِنْ أَرْضِ الْمَدِينَةِ.
أَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي ضَمَّ أَعْضَاءَهُ الشَّرِيفَةَ مِنْ قَبْرِهِ الْكَرِيمِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّهُ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَحَتَّى الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ , وَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ السَّمَوَاتِ حَتَّى الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَعْبَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ مَا عَدَا الضَّرِيحَ الشَّرِيفَ عَلَى صَاحِبِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ .9- وَبَعْدَ أَنْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَفْضَلُ مِنْ مَسْجِدِ الْقُدْسِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ , أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ , حَتَّى تِلْكَ الْمَنْسُوبَةِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَسْجِدِ قُبَاءَ , وَمَسْجِدِ الْفَتْحِ, وَمَسْجِدِ الْعِيدِ، وَمَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، المَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا }
. وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَا كَانَ أَقْدَمَ أَوْ أَكْثَرَ جَمَاعَةً فَإِنْ اسْتَوَى الْمَسْجِدَانِ فِي الْجَمَاعَةِ فَالْأَقْرَبُ، مَسَافَةً لِحُرْمَةِ الْجِوَارِ، ثُمَّ مَا انْتَفَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ عَنْ مَالِ بَانِيهِ وَوَاقِفِهِ، ثُمَّ مَنْ سُمِعَ نِدَاؤهُ أَوَّلًا، لِأَنَّ مُؤَذِّنَهُ دَعَاهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ .