عنوان الفتوى : الوساوس غير الشك

مدة قراءة السؤال : 9 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم لقد قرأت الفتوى المذكورة أنفا في موقع إسلامي وقد أرحتني كثيرأ عند قرائتها ولكن هناك آيه كريمة تقول "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15]، ما هو تفسيرها وما علاقتها بمن ابتلي بالوسوسة وهو محافظ على الفرائض ويلوم نفسه على هذه الوسوسة ويخاف من عقاب الله سبحانه و تعالى، الفتوى هي كالتالي: الحمد للهلقد أخذ الشيطان على نفسه عهداً أمام رب العالمين سبحانه وتعالى على أن ينابذ آدم وذريته العداوة، والحرص على إغوائهم وإضلالهم بشتى السبل والحيل، فقال الله تعالى حاكياً عن الشيطان ( قال فبعزتكَ لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين )، وقال تعالى ( قال فبما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم ، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين* قال أخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ) [الأعراف 16 – 18]. فقعد الشيطان لبني آدم من خروجهم للدنيا، فهو أول من يستقبله بعد ولادته فيطعنه في جنبيه حقداً وحسداً فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل بني آدم يطعن في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب، رواه البخاري ( 6 / 337 الفتح )، وفي رواية ( ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه، ثم قال أبو هريرة اقرأوا إن شئتم ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم )، رواه البخاري ( 8 / 212 الفتح ) ومسلم ( 15 / 121 النووي ). ولما كان التوحيد هو أساس الإسلام، وصرحه الشامخ، ورأس مال المسلم، ومن خلاله يمكن للشيطان أن ينفذ سمومه ليفسد على المسلم دينه فقد وجه جلَّ سهامه وجنَّد جنوده لإفساد هذه العقيدة والتشكيك في التوحيد الخالص، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته. متفق عليه، وهذا لفظ البخاري ( 6 / 337 )، ومسلم ( 2 / 514 ). ولقد وقع ذلك صراحة لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءوا إليه يشكون من ذلك الشيء ( كما تشكو منه أنتَ ) فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم ( 2 / 512 )، وأبوداود ( 5 / 336 )، وفي رواية عند مسلم ( تلك محض الإيمان ). قال النووي رحمه الله: فقوله صلى الله عليه وسلم (ذلك صريح الإيمان ) ( ومحض الإيمان ) معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به، فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً، وانتفت عنه الريبة والشكوك، وقيل إن معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من اغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد، فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة محض الإيمان، أو الوسوسة علامة محض الإيمان )انتهى ( شرح النووي 2 / 512 ). وقال الخطابي : قوله ( ذاك صريح الإيمان ) معناه: أن صريح الإيمان هو الذي يمنعكم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم، والتصديق به، وليس معناه أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان، وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله، فكيف يكون إيماناً صريحاً، لأن الإيمان: التيقن، وإنما الإشارة إلى أن ما وجدوه من الخوف من الله تعالى أن يعاقبهم على ما وقع في نفوسهم: هو محض الإيمان، إذ الخوف من الله تعالى ينافي الشك فيه. انتهى ( معالم السنن بحاشية مختصر سنن أبي داود للمنذري 8 / 12 ). وشكى إليه الصحابة أنَّ أحدهم يجد في نفسه – يعرِّض بالشيء – لأَن يكون حُـمَمة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة. رواه الإمام أحمد ( 1 / 235 )، وأبو داود ( 5 / 336 )، ومعنى ( حُمَمة ) أي: رماداً، وكل ما احترق من النار، قاله المنذري ( 8 / 12 ). فليستـبشر المسلم بهذه البشارة العظيمة التي بشَّرَ بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام، فما دام أنَّ المسلم يستعظم الكلام في هذه الأمور، بل ويستعظم مجرد التفكير فيها، فليعلم أنها من الشيطان، وليبتعد عنها، وليتعوذ بالله تعالى منها، وليحسن الظن بالله تعالى، وليعلم بأنَّ هذا الأمر علامة على صدق إيمانه بالله، وعليه ألا يتمادى في وساوس الشيطان وحبائله وحيله، وللشيطان لـمَّـة وفتنة يعملها في قلب المسلم، ولـمَّـتـه إيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وقنوط من الخير، وتشكيك في أصل الإخلاص، ولابد للمسلم أن يحصل له مثل ذلك، لأنَّ الشيطان سيورد عليه مثل هذه الإيرادات، روى أبوهريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنتُ بالله، هذا لفظ مسلم ( 2 / 513 ). قال ابن القيم رحمه الله: وأرشد – يعني النبي صلى الله عليه وسلم– من بُـلِـيَ بشيء من وسوسة التسلسل في الفاعلين، إذا قيل له: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ أن يقرأ (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيءٍ عليم). كذلك قال ابن عباس لأبي زُميل سماك بن الوليد الحنفي وقد سأله: ما شيء أجدُه في صدري؟ قال : ما هو؟ قال: قلتُ والله لا أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من شـكٍ؟ قلتُ: بلى فقال لي: ما نجا من ذلك أحد، حتى أنزل الله عزوجل (فإن كنتَ في شكٍ مما أنزلنا إليكَ فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك )، قال: فقال لي: فإذا وجدتَ في نفسكَ شيئاً، فقل: ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم )، فأرشدهم بهذه الآية إلى بطلان التسلسل الباطل ببديهة العقل، وأن سلسلة المخلوقات في ابتدائها تنتهي إلى أولٍ ليس قبله شيء كما تنتهي في آخرها إلى آخر ليس بعده شيء، كما أن ظهوره هو العلو الذي ليس فوقه شيء، وبطونه هو الإحاطة التي لا يكون دونه فيها شيء، ولو كان قبله شيء يكون مؤثراً فيه، لكان ذلك هو الربًّ الخلاق، ولابد أن ينتهي الأمر إلى خالق غير مخلوق، وغني عن غيره، وكل شيء فقير إليه، قائم بنفسه، وكل شيء قائم به، موجود بذاته، وكل شيء موجود به، قديم لا أول له، وكل ما سواه فوجوده بعد عدمه، باقٍ بذاته، وبقاء كل شيء به، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء. انتهى ( زاد المعاد 2 / 461 ). وأثر ابن عباس المتقدم رواه أبو داود ( 5 / 335 ) وسنده حسن كما قاله الأرناؤوط. ومن حيل الشيطان وألاعيبه أنه يزين لبعض الناس حب الفضول و

مدة قراءة الإجابة : دقيقة واحدة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالوسواس خواطر يقذفها الشيطان في القلب، وهي غير مؤثرة في الإيمان.

أما الآية فإنها تتحدث عن الريب وهو الشك الذي يذهب باليقين، ويضر بالإيمان، وهناك فرق كبير بين الأمرين، فما نقل في النصوص التي في الفتوى التي أرسلت بها إلينا إنما هو عن الوساوس، لا عن الريب والشك القادح في الإيمان.

والله أعلم.