عنوان الفتوى : حكم هجر الولد إذا رفع قضية ضد والده

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يجوز قطع كل علاقة مع ابني الذي قدم قضية ضدي؛ لأني ضربته لتعاطيه المخدرات، وكذلك لأنه مثليٌّ جنسيًّا؟
جزاك الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان ابنك على الحال الذي ذكرت من تعاطيه المخدرات والمثلية الجنسية؛ فهو مرتكب لموبقات خطيرة. فالمخدرات من الخبائث، وقد قال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ {الأعراف:157}، وهي تفعل في العقل ما تفعله الخمر من الإسكار، روى مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام.

وحقيقة المثلية الجنسية ما كان يفعله قوم لوط عليه السلام من إتيان الذكران من العالمين كما حكى الله عنهم في كتابه، وعاقبهم بسببها بأشد العقوبات، كما في قوله تعالى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ {هود:82}.

ومن كان على هذه الحال يجوز هجره، ولكن ينبغي أن تراعى في ذلك المصلحة، فإن كان الهجر يزيده فسقا وطغيانا وبُعْدًا عن الاستقامة وأهلها؛ فالأولى تركه، وتأليف قلبه، ومحاولة التأثير عليه، ونصحه، وخاصة من قِبَل من يُرْجَى أن يستجيب لقولهم من خيار الناس وفضلائهم، وينبغي الإكثار من الدعاء له بالهداية والصلاح خاصة وأن دعوة الوالد لولده مستجابة، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده.

وضرب الأولاد ليس بالوسيلة المجدية في التربية في الغالب، وخاصة في هذا الزمان، ولا سيما إذا كان الولد بالغا، ومن أهل العلم من منع من ضرب الولد البالغ على كل حال.

جاء في تحفة المحتاج في الفقه الشافعي: وقولُ جمعٍ : الأصح أنه ليس لهما ضرب البالغ، ولو سفيها.... اهـ.

ثم إن الضرب إن كان على وجه التعدي، وتجاوز الحد؛ فإنه محرم على كل حال، ولو كان الولد صغيرا.

وينبغي للوالد أن يكون كيسا فطنا، فلا يوقع نفسه في الحرج بفعل ما قد يعرضه للمساءلة القانونية، كما هو الحال فيمن يقيمون في بعض البلاد التي تمنع من ضرب الأولاد مطلقا، وقد ثبت في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إياك وما يعتذر منه.

وننبه في ختام هذا الجواب إلى أمرين:

الأول: أن مجرد مقاضاة الولد لوالده لا تعتبر عقوقا، إذا لم يكن الولد في ذلك ظالما، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي يزيد معن بن يزيد السلمي قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن.

ففي هذا الحديث أن معنًا خاصم أباه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحكم له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبيه، حيث أقر أن المال الذي أخذه له، وأن هذا ليس من العقوق.

قال الحافظ في الفتح: وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن، وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا. اهـ .

الثاني: أن على الآباء أن يختاروا لأولادهم البيئة الصالحة التي تعينهم على تربيتهم على الخير والفضيلة منذ نعومة أظافرهم؛ لينشئوا على ذلك، ويكونوا قرة عين لهم.

قال ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين: اعلم أن الصبي أمانة عند والديه، وقلبه جوهرة ساذجة، وهي قابلة لكل نقش، فإن عوّد الخير نشأ عليه، وشاركه أبواه ومؤدبه في ثوابه، وإن عوّد الشر نشأ عليه، وكان الوزر في عنق ولّيه، فينبغي أن يصونه، ويؤدبه، ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعّم، ولا يحبّب إليه أسباب الرفاهية، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر، بل ينبغي أن يراقبه من أول عمره... اهـ.

والله أعلم.