عنوان الفتوى : المشروع فعله بعد الاستخارة في الخطبة
أنا شاب مؤمن، وأخشى الله كثيرا في كل فعل وتصرف، وأصلي كثيرا، وفي كثير من الأحيان أصلي قيام الليل، وخاصة أني أسهر لصلاة الفجر، وأستغفر الله كل ليلة، وأدعو الله في أمور حياتي عامة. أو أحسب نفسي كذلك من المؤمنين.
أعرف فتاة، وتكلمت معها لأتعرف عليها أكثر، وأعجبتني كثيرا، وأردت التقدم لخطبتها، ثم علمت أن لها ماضيا، ولكن لا زال لديّ ميل شديد لها، وحزنت كثيرا لما سمعت، ولا زلت أريدها زوجة لي؛ لما رأيته من صلاحها، وما لديها من تدين، ولكن لديّ وسواس ما بين الرفض والقبول.
وقررت أن أصلي استخارة، وصليت أكثر من مرة، وكل مرة أميل للقبول أكثر، وبعد آخر استخارة رأيت رؤيا تبشرني بالزواج منها، وأنني سأنجب منها، ولكن في الرؤيا شخص أعرفه، وهو حسود، فتريثت قليلا حتى أرى تفسير هذا الجزء من الرؤيا.
وبعد أيام قررت أن أتخذ القرار بالقبول، ولكن لم يتم التوفيق؛ لما علمته أكثر عن ماضيها. وهنا تراجعت للمرة الثانية، ولكن هذه المرة بالرفض، ولكن بعد يومين، أو يوم عدت للتفكير في الأمر، ولا زلت أفكر فيه بشدة، وأحزن عليها كثيرا لما حدث، وأعود للميل لها بشدة، وأريد التقدم لها، مع علمي بأن الأمر لن يكون سهلا أبدا، وأنني سأواجه مشاكل كثيرة؛ لأن بعض أهلي يعرفون هذا الماضي، ويرفضون الأمر.
فسؤالي هنا: هل نتيجة الاستخارة هنا هي أن هذا الأمر شر لي؟ وأيضا هل لو أكملت الأمر، هل من الممكن أن الله يجنبني شر هذا الأمر؟ أم أنني سألقى هذا الشر، كما حذرني الله.
وسؤالي الثالث والأخير بالنسبة للرؤيا: كنت أراها تجلس في غرفتي في منزلنا، وهي خجلى، وتحمل طفلا، وتأتي والدتي لتبشرني بالزواج منها، فلم تنفع الخطوبات الأخريات، وبالفعل حدث هذا، ولم تكتمل، وفي النهاية أرى هذا الشخص السيء الحسود عبوسا، وتتساءل عما يحدث لأنها لا تفهم شيئا.
هل هذه قد تكون رؤيا أم حلم؟ مع العلم أنها تشبه رؤيا أخرى أعرفها، حلمت بها. وهل تفسيرها كما هو واضح؟ أم لها تفسير آخر؟ وما هو تفسير الشخصية الحسود؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فننبهك أولًا؛ إلى أنّ التعارف بين الشباب والفتيات -ولو كان بغرض الزواج، وما يعرف بعلاقات الحب بينهما- كل ذلك باب فتنة، وذريعة شر وفساد، وقد بينا ذلك في كثير من الفتاوى، وانظر على سبيل المثال الفتوى: 430774.
كما ننبه إلى أنّ إخبار أحد الخاطبين الآخر بما وقع منه في الماضي من المحرمات، أو سؤاله عنه؛ مسلك مخالف للشرع، والصواب أن يستر العبد على نفسه، ولا يخبر أحدا بمعصيته لغير مصلحة معتبرة، وأنّ المعول في الحكم على الشخص؛ حاله في الحاضر، لا في الماضي. وانظر الفتوى: 117433.
فالواجب عليك الوقوف عند حدود الله، وقطع العلاقة مع تلك الفتاة، وإذا كنت تريد زواجها، وكانت تائبة مما وقعت فيه من العلاقات المحرمة؛ فلا حرج عليك في الزواج منها؛ فالتوبة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والعبرة بحالها الآن. وقد ذكرت صلاحها واستقامتها.
وليس من اختصاصنا تأويل الرؤى والأحلام، ولا يلزم أن تكون للرؤيا التي رأيتها دلالة على أثر الاستخارة.
والراجح عندنا أن المستخير يمضي في الأمر بعد الاستخارة، ولا يتركه إلا أن يصرفه الله عنه.
جاء في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للمباركفوري: واختلف في ماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة. فقيل: يفعل ما بدا له، ويختار أيّ جانب شاء من الفعل والترك، وإن لم ينشرح صدره لشيء منهما، فإن فيما يفعله يكون خيره ونفعه، فلا يوفق إلا لجانب الخير، وهذا لأنه ليس في الحديث أن الله ينشئ في قلب المستخير بعد الاستخارة انشراحًا لجانب، أو ميلًا إليه. كما أنه ليس فيه ذكر أن يرى المستخير رؤيا، أو يسمع صوتًا من هاتف، أو يلقى في روعه شيء، بل ربما لا يجد المستخير في نفسه انشراحًا بعد تكرار الاستخارة، وهذا يقوي أن الأمر ليس موقوفًا على الانشراح. انتهى.
وعلى هذا؛ فما سيحصل للمستخير من تيسر الأمر، وحصوله، أو عدمه هو ما فيه الخير له، وانظر الفتوى: 123457.
ويمكنك مشافهة أحد أهل العلم بما يشكل عليك لتفصل له، وليستفصل منك عما يحتاج إلى استفصال دون الحاجة إلى افتراض احتمالات قد لا يكون لها وجود في الواقع.
والله أعلم.