عنوان الفتوى : لو نقل زكاة الفطر ، فهل العبرة بقيمتها في بلده أو في البلد المخرج فيه؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

نحن نعيش في أوروبا ولا نعرف فقراء هنا ونريد نقل زكاة الفطر وفدية الصيام (عن ابنتي المريضة مرضاً مزمناً لا تستطيع معه الصوم) إلى بلد آخر أصاب أهله الحاجة، وذلك عبر إرسال المال لمعارف هناك ليشتروا طعاما ويوزعوه فهل أخرج زكاة الفطر والفدية بقيمتها في أوروبا كما حددتها المجالس الإسلامية هنا؟ أم بقيمتها في البلد الذي سأُخرجها فيه؟ لأني إذا أخرجتها بقيمة صاع من طعام كالأرز في أوروبا عن كل فرد فسيشتري المبلغ أكثر بكثير من صاع أرز في البلد الذي سأرسل إليه الزكاة، وإذا أخرجتها بقيمة صاع مِن طعامٍ في ذلك البلد فإنها لا تشتري ربع كيلو أرز هنا في أوروبا! فقد قدرت زكاة الفطر عندنا في هذا البلد في أوروبا ب 7.3 دولار تقريبا، بينما في البلد الذي سأرسل إليه الزكاة ب 1.56 دولار فما المبلغ الذي يتوجب علي إرساله لذلك البلد ليشتروا به طعاما ويوزعوه؟ أهو قيمة الصاع عندنا في أوروبا بغض النظر عما يشتريه من الكمية في البلد الذي ستُؤدَّى فيه الزكاة؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

أولا:

الأصل أن يخرج الإنسان زكاة فطره في البلد الذي هو فيه.

قال ابن قدامة في المغني (2/ 502): " فأما زكاة الفطر فإنه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه، سواء كان مالُه فيه أو لم يكن؛ لأنه سبب وجوب الزكاة، ففُرِّقت في البلد الذي سببها فيه" انتهى.

ويجوز نقلها إذا استغنى أهل البلد عنها، كما يجوز نقلها إلى أحوج من أهل بلده، على الراجح.

قال ابنُ هُبيرة في "اختلاف الأئمة العلماء" (1/ 220):

"واختلفوا في ‌نقل ‌الزكاة مِن بلد إلى بلدٍ على الإطلاق:

فقال أبو حنيفة: يُكره؛ إلا أن ينقلها إلى قريبٍ له محتاج، أو قومٍ هم أمسُّ حاجةً مِن أهل بلده: فلا كراهة.

وقال مالك: لا يجوز على الإطلاق؛ إلا أن يقع بأهل بلدٍ حاجةٌ، فينقلها الإمامُ إليهم على سبيل النظر والاجتهاد.

وقال الشافعي: يُكره نقلُها، فإنْ نقلها: ففي الإجزاء قولان.

وقال أحمد في المشهور عنه: لا يجوز نقلُها إلى بلد آخر تقصر فيه الصلاة، إلى قرابته أو غيرهم، ما دام يجد في بلده مَن يجوز دفعُها إليهم.

وأجمعوا على أنه إذا استغنى أهل بلد عنها جاز نقلُها إلى مَن هم أهلُها" انتهى.

وقال ابنُ تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/ 370): "وإنما قال السلف: جيرانُ المالِ أحقُّ بزكاته، وكرهوا نقلَ الزكاة إلى بلد السلطان وغيره؛ ليكتفي أهلُ كلِّ ناحية بما عندهم مِن الزكاة ...

ويجوز نقلُ الزكاة وما في حكمها: لمصلحةٍ شرعيةٍ" انتهى.

ثانيا:

من نقل زكاة الفطر إلى بلد آخر، وكان يخرج زكاته طعاما، وهو المتعيّن عند الجمهور، فإنه يكفيه أن يخرج صاعا من طعام البلد الآخر، ولو كانت قيمته أقل من الصاع في البلد الذي يقيم فيه، كأن يكون الصاع في بلد إقامته بسبع دولارات، وفي البلد الآخر بدولار ونصف؛ لأنه مأمور بإخراج صاع، وقد فعل، فتبرأ ذمته بذلك.

ولأنه لو أُلزم بمراعاة القيمة، لكان عدولا عن الأصل الواجب في ذمته، وهو الصاع، إلى القول بالقيمة، وهو ممنوع عند الجمهور؛ فكان إلزاما بالفرع المتنازع عليه، وتركا للأصل الواجب، المتفق عليه، وهو "الصاع"!!

ولربما أدى إلى إلزامه بأكثر من صاع، وهو خلاف الشرع.

وعلى ذلك؛ فإذا وكلت من يخرج عنك زكاة فطرتك، أو الكفارات التي عندك، فإنه يخرج عنك "صاعا" من طعام أهل لبنان، أو سوريا، أو غيرها من البلدان التي تخرج فيها زكاة فطرك، ولا عبرة بتفاوت الأسعار بين محل إقامتك، ومكان الإخراج؛ فإن الواجب عليك "صاع" بكل حال.

وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "مقدار زكاة الفطر صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط أو طعام..، وتعطى فقراء المسلمين في بلد مخرجها، ويجوز نقلها إلى فقراء بلد أخرى أهلها أشد حاجة...، ‌وليس ‌قدرها ‌تابعا ‌للتضخم ‌المالي، بل حدها الشرع بصاع" فتاوى اللجنة الدائمة/ م1" (9/ 369).

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "نحن مجموعة من الإخوة المقيمين بالمملكة العربية السعودية من السودان، نجمع زكاة الفطر حسب تكلفة زكاة الفطر للفرد الواحد هنا في المملكة، ثم نرسل هذا المبلغ لبلادنا لشخص موثوق ليستخرج زكاة الفطر حسب قوت أهل بلادنا، ثم يقوم ذلك الشخص بشراء زكاة الفطر حسب ما لديه من عدد أفراد الأسرة المرسل له من المملكة، وعندما يبقى مبلغ بعد الشراء يقوم بتوزيعها كصدقة تطوع، هل يجوز ذلك حفظكم الله.

فأجاب: لا حرج في ذلك، لكن الأحوط أن تخرجوا زكاة الفطر في البلد التي تقيمون فيها، هذا هو الأحوط لكم، إخراجها في البلد التي أنت مقيم فيها، هذا أولى؛ لأنها مواساة لأهل البلد التي أنت فيها، فإذا أرسلتها إلى فقراء في بلدك أجزأت إن شاء الله" انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (15/ 283).

فأقرهم الشيخ على إخراجها بقيمة البلد المنقولة إليه، وأن ما زاد على ذلك يخرج صدقة.

وهذا ما لم يكن قصده من نقل الزكاة التحيل لإخراج أقل مما عليه في بلد إقامته، فإن النقل لا يجوز إلا للمصلحة الشرعية كما تقدم، والحيلة ليست مصلحة شرعية، بل هي مفسدة ظاهرة، وهي ضد مقصود الشرع من ذلك.

ثم هو بهذا التحيل يدخل في عموم قوله تعالى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) البقرة/267.

وقد عرض السؤال المذكور أعلاه على فضيلة الشيخ خالد المشيقح حفظه الله، فأجاب: " الواجب صاع، في أي بلد كان رخُص أو غلا، بشرط ألا يكون دفعه للبلد المنقولة إليه حيلة بسبب رخص الأسعار فيه، فلو دفع في لبنان فإنه يدفع حسب سعرها في لبنان، ولو كان بدولار أو دولارين، فمادام نقلها للمصلحة، فلا باس ولو كان بريال واحد" انتهى.

ثالثا:

من كان يأخذ بمذهب من يرى جواز إخراج القيمة، وهو مذهب الحنفية، فهل يلزمه أن يخرج "القيمة" في بلد إقامته، أو قيمة "الصاع" في البلد الذي يخرجها فيه ؟

هذا محل نظر وتأمل؟

والأقرب في هذا، والله أعلم: أنه يخرج قيمة زكاة الفطر في بلده التي وجبت عليه فيها، ويرسلها هكذا إلى البلد الآخر؛ لأنها القيمة التي وجبت في ذمته. ولا نظر – فيما يظهر – إلى قيمتها في البلد الذي نقلت إليه.

لكن إن كانت قيمتها في بلد إقامته، أقل من قيمة الزكاة في البلد الذي نقلت إليه، فإنه يلزمه أن يخرج ما يساوي قيمة الصاع في بلد الإخراج، لأنه لو أرسل بالقيمة الأقل، لم يكن قد أخرج صاعا، حيث أخرجه، ولا أخرج قمته؛ فعدل عن الواجب الأصلي، ولم يبلغ قيتمه الفرع الذي اختاره وعمل عليه، وهو القيمة.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...