أرشيف المقالات

أعطى كل شيء خلقه ثم هدى

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
أعطى كل شيء خلقه ثم هدى


مَن علَّم العصفورة إذا سقط فرخُها أن تصرُخَ وتستغيث، فلا يبقى عصفور يمرُّ بها أو يراها إلا وجاء إليها؛ فيطيرون حول الفرخ ويحرِّكونه بأفعالهم وأجنحتهم، ويحدِثون له قوة وهِمَّة وعزيمة حتى يطير؟!
ومَن علَّم الظبي ألا يدخل بيته إلا مستدبرًا؛ ليستقبل بعينه ما يخافه على نفسه وولده؟!
 
ومَن علَّم الذئب أنه إذا اشتدَّ به الجوع رمى بنفسه وانتفخ كأنه جيفة، فتقصده الطير، حتى إذا اجتمعت عليه، وثب عليها وضمَّها الضمَّة الأخيرة؟!
ومَن علَّم اليربوع أن يَحفِرَ بيتَه في سفح الوادي؛ ليكون مرتفعًا عن مجرى السيول، ثم يعدِّد أبوابَه ويجعل لها حاجزًا رقيقًا، فإذا أحسَّ بالشرِّ فتح بعضها بأيسر شيء وخرج؛ فهو الذي علَّم القواد في الأرض أخطر الأمور الأمنية، ثم يجعل بيته بجانب أَكَمَة أو صخرة علامة له على البيت إذا ضلَّ عنه؛ لأنه كثيرُ النسيان؟
 
ومَن علَّم الفأرة أنها إذا شربت من الزيت الذي في أعلى الجرَّة فنقص وصعب عليها الوصول، نقلت الماءَ بأفواهها وصبَّته في الجرَّة؛ حتى يرتفع الزيت فتشربه؟!
ومَن علَّم الدبَّ أنه إذا أصابه جرح يأتي إلى نبتٍ قد عرفه يجهله خبراءُ الحشائش فيتداوى به فيبرأ؟!
ومن علَّم الفهد أن يتوارى عن الأنظار وقت سمنه لثقل حركته، فإذا عاد لوزنه الطبيعي ظهر من جديد؟!
ومَن علَّم ابن عِرْسٍ والقنفذ أنهما إذا أكلا الحيَّات والأفاعي عمَدَا إلى الصعتر النهري فأكلاه كالترياق؛ لئلا يضرهما السمُّ؟!
 
ومَن علَّم أنثى السباع إذا وضعت ولدها أن ترفعه أيامًا في الهواء؛ لأنها تضعه كقطعةِ لحمٍ، فتخاف عليه الذَّر والنمل، فلا يزال في فمها تتنقل به حتى يتخلَّق ويستوي؟!
ومَن علَّم الحمامة أن تقلب بيضها؛ حتى ينال كلُّ وجه نصيبه من الحضانة، ولئلا تأكله الأرض؟!
ومَن علَّم السنورة أن تتماوت على فم بيت الفأرة، فلا تتحرَّك ألبتة، حتى إذا خرجت الفأرةُ وثبَتْ عليها واقتنصتها؟!
 
ومن علَّم الكلب أنه إذا عاين الظباء يعرف مباشرة الذَّكَر من الأنثى، فيتْبع الذكر مع علمه أن الذَّكَر أسرع من الأنثى، لكن الذكر إذا عدا شوطًا أو شوطين احتقن بوله، وإذا احتقن بولُه خفَّت سرعتُه، فيُدركه الكلب، وأمَّا الأنثى فتحذف بولها؛ لسعة القُبُل وسهولة المخرج فيدوم عدْوُها؟!
 
ومَن علَّم الأيل أنه إذا سقط قرنُه أن يتوارى؛ لأنه فقد سلاحه، وفي تلك الفترة يسمن، فإذا اكتمل نموُّ قرنه تعرَّض للشمس والريح وأكثر من حركته؛ ليشتدَّ لحمه، فيزول السِّمَنُ المانع له من العَدْوِ فيظهر حينها؟!
 
ومن علَّم الأسد أن يأتيَ إلى شِبْله في اليوم الثالث فينفخ في منخريه؛ لأن اللبؤةَ تضع صغيرها كالميت المهزول، فلا تزال تحرسه حتى يأتي أبوه فيصنع به ذلك الصنيع؟!
ومَن علَّم ذكر الحمام أن يتلطَّف بأنثاه، فإذا وقع عليها وعلم أنها حملت ذهب يجمع العيدانَ مباشرة ويبني بيته؟!
 
ومَن علَّمهما أن الذكر والأنثى يتقاسمان أمر الفراخ، فتكون الحضانة والتربية على الأنثى، وجلبُ القوت والرزق على الذكر، فإن الأب هو صاحب الكسب، والأمَّ هي التي تحمل وتبيض وترعى؟
 
ومَن علَّم النحلة أنها إذا وجَدت حقلًا أو مصدرًا للغذاء تعود سريعةً وترقص رقصاتٍ معينةً، وهذه الرقصات تختلف من رقصةٍ إلى أخرى بحسب قرب المكان أو بعده، وترسم برقصتها زاوية الشمس التي تدلُّ على المكان، فيفهم النحل الجهة المعينة ومسافته بكلِّ تحديد ودقَّة، وهو شيء مذهل لا زال العلماء متحيِّرين فيه؟!

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣