عنوان الفتوى : حكم استخدام روث الحيوانات كوقود للطهي
هل يجوز استخدام روث الحيوانات كوقود لطهي الطعام وبخاصة لنضج الخبز علما ان الخبز يتعرض للدخان المتصاعد نتيجة إشعال الروث؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بأس بذلك على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن هذه الأرواث إذا كانت أرواثا لما يؤكل لحمه، فهي طاهرة، ولا إشكال في استعمالها حينئذ كوقود، لأن الدخان المتصاعد منها دخان متصاعد من طاهر، وإن كانت نجسة، فإنها تستحيل إلى دخان ورماد باستعمالها كوقود، وهذه الاستحالة مطهرة على الصحيح من قولي أهل العلم، وعلى هذا، فالدخان المتصاعد منها طاهر، لا ينجس ما لاقاه من الخبز، قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: (1/231): وأما دخان النجاسة: فهذا مبني على أصل، وهو: أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة، مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير، ملحا طيبا كغيرها من الملح، أو يصير الوقود رمادا، وخرسفا، وقصرملا، ونحو ذلك، ففيه للعلماء قولان:
أحدهما: لا يطهر كقول الشافعي، وهو أحد القولين في مذهب مالك وهو المشهور عن أصحاب أحمد، وإحدى الروايتين عنه، والرواية الأخرى: أنه طاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك في أحد القولين، وإحدى الروايتين عن أحمد.
ومذهب أهل الظاهر وغيرهم: أنها تطهر، وهذا هو الصواب المقطوع به، فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم، لا لفظا ولا معنى، فليست محرمة ولا في معنى المحرم، فلا وجه لتحريمها، بل تتناولها نصوص الحل، فإنها من الطيبات، وهي أيضا في معنى ما اتفق على حله، فالنص والقياس يقتضي تحليلها.
وأيضا فقد اتفقوا كلهم على الخمر إذا صارت خلا بفعل الله تعالى، صارت حلالا طيبا، واستحالة هذه الأعيان أعظم من استحالة الخمر، والذين فرقوا بينهما قالوا: الخمر نجست بالاستحالة، فطهرت بالاستحالة، بخلاف الدم والميتة ولحم الخنزير.
وهذا الفرق ضعيف، فإن جميع النجاسات نجست أيضا بالاستحالة، فإن الدم مستحيل عن أعيان طاهرة، وكذلك العذرة، والبول، والحيوان النجس، مستحيل عن مادة طاهرة مخلوقة.
فإذا عرف هذا، فعلى أصح القولين: فالدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر، لأنه أجزاء هوائية، ونارية ومائية، وليس فيه شيء من وصف الخبث.
وعلى القول الآخر، فلا بد أن يعفى من ذلك عما يشق الاحتراز منه، كما يعفى عما يشق الاحتراز منه على أصح القولين، ومن حكم بنجاسة ذلك ولم يعف عما يشق الاحتراز منه، فقوله أضعف الأقوال.
والله أعلم.