عنوان الفتوى : التوحيد عند الجهمية
التوحيد الجهمي يعني أن فرعون وقومه كانوا على الطريق الصحيح، وكان لهم علم الله الحق، فماذا يعني الجهمية بالتوحيد، وأن فرعون وقومه كانوا على الطريق الصحيح، وأن لديهم العلم الحقيقي بالله؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقول الجهم بن صفوان بأن الإيمان هو مجرد معرفة القلب، وإن لم يقرّ بلسانه، يلزم منه القول بإيمان فرعون -بل وإبليس أيضًا- لأنه عرف الحق بقلبه، وجحد بلسانه وجوارحه، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتويين: 364090، 414085.
ومن الجهمية من ينتحل مذهب الحلول والاتحاد -والعياذ بالله-، ومنهم من يعتقد أن الله تعالى إنما هو وجود مطلق، لا يوصف، ولا يتعين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «منهاج السنة النبوية»: وأما أهل الاتحاد العام، فيقولون: ما في الوجود إلا الوجود القديم، وهذا قول الجهمية. اهـ.
وقال في «درء تعارض العقل والنقل»: ولهذا كان منكرو علو الله، ومباينته لمخلوقاته من الجهمية الحلولية، أو النفاة للحلول والمباينة ونحوهم، إنما يثبتون وجودًا مطلقًا، لا يعين، ولا يشار إليه، بل يقولون: بلا إشارة، ولا تعيين، وهؤلاء يثبتون وجودًا مطلقًا كليًّا، لا يعينونه -لا ببواطنهم، ولا بظواهرهم-. ولهذا يبقون في حيرة واضطراب، تارة يجعلونه حالًّا في المخلوقات، لا يختص بشيء، وتارة يسلبونه هذا وهذا، ويقولون: الحق لا يقيد، ولا يخصص، ولا يقبل الإشارة والتعيين، ونحو ذلك من العبارات التي مضمونها في الحقيقة نفي ثبوته في الخارج. اهـ.
ولا يخفى أن القول بالاتحاد والحلول يتوافق مع قول فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى {النازعات:24}، وقوله: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي {القصص:38}؛ ولذلك قال ابن القيم في «مدارج السالكين»: أما الاتحادية، فالتوحيد عندهم: أن الحق المنزه هو عين الخلق المشبه، وأنه -سبحانه- هو عين وجود كل موجود ...
ومن فروع هذا التوحيد: أن فرعون وقومه مؤمنون كاملو الإيمان، عارفون بالله على الحقيقة. اهـ.
وهنا ننبه على أن الجهمية طائفتان، يجمعهما نفي الأسماء والصفات:
فالطائفة الأولى -وهم عبادهم، وصوفيتهم- يقولون بالحلول والاتحاد، وهذا هو غاية التوحيد عندهم.
ومن فروع ذلك: القول بأن فرعون وقومه على الحق والصواب! وأن فرعون حينما ادّعى الألوهية، وحينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى {النازعات:24}، مصيب؛ لأن الرب حلَّ في جميع الأشياء.
والطائفة الثانية: هم الذين يقولون بنفي النقيضين عن الله، فيقولون: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايث له، ولا متصل به ولا منفصل عنه. وهذا في الحقيقة وصف المعدوم، بل هو وصف الممتنع.
والله أعلم.