عنوان الفتوى : فقه المعاملات وما ينبغي أن يعرفَه رجل المُحاسَبة
ما ينبغي معرفتُه لرجل المُحاسبة لتدريب الموظَّفين في مؤسّسة المحاسبة ومركز التدريب الذي أنشأه؟
أجاب فضيلة الأستاذ مصطفى الزرقا بما يلي:
1 – نظرًا إلى أن رجل المحاسبة يقوم بمُهِمّته في تدقيق الحسابات والمعاملات والميزانيات لدى المؤسَّسات المالية التجارية، والمصارف، والجمعيات، وأن معظم المعاملات المالية لديها هي من قبيل العقود؛ لذا ينبغي لرجل المحاسبة أن يكون له إلمام إجمالي بنظام التعاقُد، وأحكام العقود التي موضوعها وثيق الصلة بنشاطات هذه المؤسّسات في فقه الشريعة؛ لأن القضاء في المملكة العربية السعودية يعتمد الشريعة الإسلاميّة.
وبما أن التعاقد الصحيح الملزِم لطرفي العقد يخضع لقواعد وشرائط عامّة تشمل جميع أنواع العقود، فهي كالقاسم المُشترَك بينها جميعًا، وأي عقد لا تتوافر فيه يكون باطلاً لا أثر له، ثم إن كل عقد بخُصوصه من العقود المُسمّاة كالبيع، والهبة، والإجارة، والإعارة، والإبداع، والشركة، إلخ… له أحكامه الخاصة به بحسب موضوعه، وتختلف هذه الأحكام والشرائط الخاصة بين عقد وآخر، وذلك إلى جانب تلك الأحكام العامة والقواعد التي تخضع لها جميع أنواع العقود؛ لذلك وجب أن يكون لرجل المحاسبة إلمام إجمالي بكلا هذين النوعين من أحكام العقود وشرائطها، أي:
أ ـ الأحكام والقواعد العامة المُشار إليها، ومنها تتألف نظرية العقد العامّة التي تتضمّن قواعد التعاقُد في مراحله الثلاث: إنشاء العَقد، وآثار العَقد بعد وجوده، وانحلال العَقد.
ب ـ أحكام أهم العقود المسمّاة إجمالاً، أي: ما يخصُّ كلَّ عَقد منها، ولا يجري في سواه.
وأهم العقود المسمّاة بالنسبة للمؤسّسات المالية المذكورة هي الأكثر دورانًا في نطاق نشاطاتِها، وفي طليعتها البيع بأنواعه، (وخاصة الصّرف والسَّلَم والاستِصناع)، والقرض والإجارة والإعارة والإيداع والرهن (الرسمي والحيازي)، والكَفالة والحوالة والوكالة والشركات (ومنها شركة المضارَبة أو القِراض)، والعقود الحديثة اليوم، ومن أهمها عَقد المقاوَلة وعقد التوريد…
كل ذلك بصورة إجماليّة لا تفصيليّة …
2 ـ إن النظريّة العامّة للعقد بجميع قواعدها موجودة بصورة كاملة في القوانين المدنيّة الوضعيّة وشروحها، بترتيب فني، ولكنّها غير مجموعة بصورة متكامِلة ومرتَّبة في فقهنا الإسلامي ومصادره التقليديّة من كتب المذاهب، لكنَّ قواعدَها منثورةٌ في مختلف أبواب العقود تُذكَر في مناسبات تعليل الأحكام العقدية.
لكنها قد جُمِعَتْ ودُوِّنَتْ من قِبَل بعض الفقهاء المعاصرين لغاية تدريس الطلاب في الجامعات (كليات الشريعة والحقوق)؛ لأن هؤلاء الطلاب يأتُون غالبًا من الثانويات العامة ليس لهم خلفيّة شرعية، فلا يستطيعون الرجوع إلى كتب الفقه المذهبيّة.
3 ـ من أهمّ المَراجع الحديثة، بل أهمُّها على الإطلاق كتاب: (المدخل الفقهي العام) من سلسلة (الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد) للأستاذ مصطفى أحمد الزرقا، ففي الجزء الأول منه نظرية العقد العامة في الفقه الإسلامي مُرتّبة بأقسامها الثلاثة: قواعد إنشاء العقد، وآثار العقد العامة، وانحلال العقد.
أما العقود المُسمّاة، فقد تَضمَّن الجزء الأول، من المدْخل الفقهيّ المذْكور في آخر نظرية العقد، عرضًا للعقود المسمّاة جميعًا، وتعريفًا بموضوع كل عقد منها وغايته، والاصطلاحات المستعمَلة فيه… ثم تصنيفًا لهذه العقود جميعًا في زمر: كزمرة العقود الناقلة للملكيّة، والعقود الواردة على المنفعة، وعقود التوثيق كالكفالة والرهن، إلخ… وهذا كله ضروري لرجل المحاسَبة.
أما أحكام كل من هذه العقود المسمّاة، فلا يوجد مرجع حديث مُيَسَّر ومبسّط يشملها جميعًا بحسب حاجة غير المختصِّ بدراسة الفقه بل يجب على من يقوم بتدريس هذه المادة لرجُل المحاسَبة أن يكتب لهم كتابة جديدة عن العقود الأهمّ التي سَبَقَتِ الإشارةُ إليها، بحسب ما يحتاجون إلى معرفته من أهمِّ أحكامها الخاصّة بكلٍّ منها.
4 ـ إن تحديد أهم ما يحتاج المحاسِبون إلى معرفته من أحكام العقود الشائعة يتطلّب شخصًا يجمع بين المعرفتين المُحاسبيّة والشّرعيّة، وينبغي تشجيع بعض المُحاسِبين على تحصيل حدٍّ أدنى من المعرفة الشرعيّة بالعقود، حتى يُساعدوا بعد ذلك في اختيار الموضوعات التي تُهِمُّ زملاءهم المُحاسِبين. وإلى أن يتمّ ذلك، يمكن كحل مؤقَّت تشجيع حوار وأسئلة واستفسارات، من محاسبين قديرين، موجَّهة إلى مُختصّين في الشريعة؛ لكشف أهم القضايا الشرعية المُناسب تعريف المحاسِبين بها.