عنوان الفتوى : حكم التظاهر بالشرب لإخفاء الصيام
ما حكم التظاهر بشرب كوب لبن عن طريق الإتيان بكوب آخر فارغ، ووضع القليل من قطرات اللبن، وإخفاء الكوب الآخر، حتى يظهر أمام الوالدين كأنني تناولت الكوب، وذلك لإخفاء الصيام؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل مشروعية إخفاء الصوم وغيره من العمل الصالح، بل ينبغي ذلك، فقد تظاهرت نصوص الشرع المطهر مرغبة في إخفاء العمل الصالح، ما لم تكن هناك مصلحة راجحة تدعو لإظهاره، وذلك لأن إخفاء العمل أدعى إلى الإخلاص، وأبعد عن العجب والرياء، وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل. رواه الخطيب في تاريخه، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وصححه الألباني.
وأورد ابن كثير عند تفسير هذه الآية: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً { الأعراف: 55}: عن عبد الله بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فُضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لقَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَمَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقَدْ فَقُهَ الْفِقْهَ الْكَثِيرَ وَمَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ الطَّوِيلَةَ فِي بَيْتِهِ، وَعِنْدَهُ الزوار، وَمَا يَشْعُرُونَ بِهِ، وَلَقَدْ أَدْرَكْنَا أَقْوَامًا مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَمَلٍ يَقْدِرُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي السِّرِّ، فَيَكُونُ عَلَانِيَةً أَبَدًا، وَلَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ، وَمَا يُسْمَعُ لَهُمْ صَوْتٌ، إِنْ كَانَ إِلَّا هَمْسًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ـ وَذَلِكَ أَنَّ الله ذَكَرَ عَبْدًا صَالِحًا رَضِيَ فِعْلَهُ فَقَالَ: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا. انتهى. للفائدة راجع الفتوى: 60582.
وعليه؛ فما تفعله من التظاهر بشرب كوب لبن، حتى يظهر أمام الوالدين أو غيرهما، كأنك تناولت ما فيه لإخفاء الصيام، لا حرج فيه، لا سيما إن كان لك في ذلك قصد حسن.
فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. جاء عن الحسن -رحمه الله- أنه قال: إنْ كان الرجل لتكون له الساعة يخلو فيها؛ فيصلي، ويوصي أهله فيقول: إنْ جاء أحد يطلبني فقولوا: هو في حاجة له. وكان أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ -رحمه الله- فِي مَجْلِسٍ، فَجَاءتْهُ عَبْرَةٌ، فَجَعَلَ يَمْتَخِطُ وَيَقُوْلُ: مَا أَشَدَّ الزُّكَامَ! وهذا من شدة حرصهم -رحمهم الله- على إخفاء العمل.
ولكن ننبه على أن الوالدين لو منعاك من صوم النافلة شفقة عليك، فأطعهما لما بيناه في الفتوى: 252808.
والله أعلم.