عنوان الفتوى : أحكام من قام ساهياً إلى الركعة الثالثة
ما حكم الصلاة إذا نسي الإمام الجلوس للتشهد الأول؛ فقام. فقال له المصلون من خلفه: "سبحان الله" وهو قائم، فتذكر أنه لم يجلس وعرف ذلك. ولكنه مع ذلك أكمل القيام ولم يرجع للجلوس، وسجد للسهو. وحجته في ذلك أن الجلوس للتشهد الأول واجب يجبر بالسهو، وليس ركنا، فلا يرجع إليه.
هل ما فعله وما قاله صحيح؟ وهل ينطبق ذلك على صلاة المنفرد أيضا إذا تذكر أنه لم يجلس للتشهد، قبل أن يبدأ بالفاتحة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن قام ساهياً إلى الركعة الثالثة، ولم يجلس للتشهد الأوسط، ولم يذكر إلا بعد أن استتم قائماً، فإنه يواصل صلاته حتى يتمها، ويسجد سجدتين للسهو قبل السلام، سواء أكان إماما أو منفردا.
وعليه؛ فتصرف الإمام المذكور صحيح؛ لما في الصحيحين عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك.
وأخرج ابن ماجه في سننه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما، فليجلس. فإذا استتم قائماً، فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو.
فإذا استتم المصلي قائماً، ثم عاد عامداً، عالماً بالتحريم. فهل تبطل صلاته؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
أحدهما: أنها تبطل. وهو مذهب الشافعي ورواية عن أحمد.
والثاني: إذا رجع قبل القراءة، لم تبطل صلاته. وهو مذهب مالك، والرواية المشهورة عن أحمد. وإن رجع بعد القراءة، قيل تبطل صلاته.
قال المرداوي في الإنصاف، ذاكرا بعض الأقوال في المسألة، وبعض التفصيل فيها، في المذهب الحنبلي: وإنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الأوَّلَ ونهَض، لَزِمَه الرجوعُ، ما لم يَنْتَصِبْ قائمًا. فإنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا لَمْ يَرْجِعْ، وإن رجَع جَازَ.
اعلمْ أنَّه إذا ترَك التَّشَهُّدَ الأولَ ناسِيًا وقامَ إلى ثالِثَةٍ، لم يَخْلُ من ثَلاثةِ أحْوالٍ:
أحدُها: أنْ يذكُرَ قبلَ أنْ يعْتدِلَ قائمًا، فهنا يلْزَمُه الرُّجوعُ للتَّشَهُّدِ، كما جزَم به المُصَنِّف هنا. ولا أعلمُ فيه خِلافًا، ويلْزَمُ المأمومَ مُتابَعَتُه، ولو بعدَ قِيامِهم وشُروعهم في القِراءةِ.
الحالُ الثَّانيةُ: ذكَره بعدَ أنِ اسْتَتَمَّ قائمًا، وقبل شُروعِه في القِراءةِ. فجزَم المُصَنِّفُ أنَّه لا يرْجعُ، وإنْ رجَع جازَ. فظاهِرُه، أن الرُّجوعَ مَكْروهٌ، وهو إحْدَى الرِّوايات، وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: والأشْهَرُ يُكْرَهُ الرُّجوعُ. وصَحَّحه في «النَّظْمِ». قال الشَّارِحُ: الأوْلَى أنْ لا يرْجِعَ، وإن رجَع جازَ. قال في «الحاوِي الكبِيرِ»: والأَوْلَى له أن لا يرْجِعَ. وهو أَصَحُّ. قال في «المُحَرَّر»، و «المُغْنِي»: أوْلَى. وجزَم به في «التَّلْخيصِ»، و «ناظِمِ المُفْرداتِ». وهو منها. وقدَّمه في «مجْمَعِ البَحْريْن». وعنه، يُخيَّر بينَ الرُّجوعِ وعدَمِه. وعنه، يَمْضيِ في صلاتِه، ولا يرْجِعُ وُجوبًا. اخْتارَه المُصَنِّفُ، وصاحِبُ «الفائقِ». وعنه، يجبُ الرُّجوعُ، وأطْلَقَهما في «الفروعِ»....
الحالُ الثَّالثةُ: ذكره بعدَ أنْ شرَع في القِراءَةِ، فهنا لا يرْجِعُ، قوْلًا واحِدًا، كما قطَع به المُصَنِّفُ بقولِه: وإنْ شَرع في القِراءةِ، لم يجز له الرجوع. انتهى.
وجاء في أسنى المطالب ممزوجا بروض الطالب، لزكريا الأنصاري الشافعي، أثناء الحديث عن قيام الإمام لثالثة: وإن انتصب قائما لم يعد؛ لتلبسه بفرض، فلا يقطعه لسنة. فإن عاد عالما بالتحريم عامدا بطلت صلاته؛ لزيادته ركنا عمدا، لا إن عاد جاهلا فلا تبطل, لكن عليه أن يقوم عند تعلمه. ولا إن عاد ناسيا فلا تبطل، لكن عليه أن يقوم إن ذكر أي عند تذكره. ويسجد فيهما للسهو كما صرح به الأصل ..... إلى أن قال: فإن انتصبا معا, أو انتصب الإمام وحده، ثم عاد فيهما لزم المأموم القيام بأن يستمر في الأولى قائما، ويقوم في الثانية؛ لوجوب القيام عليه فيها بانتصاب الإمام. وأما في الأولى فإمامه إما مخطئ بالعود فلا يوافقه في الخطأ, أو عامد فصلاته باطلة، وله فيهما مفارقته. ولو انتظره قائما؛ لاحتمال كونه عاد ناسيا جاز, لكن المفارقة أولى، فإن عاد معه عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته. أو ناسيا, أو جاهلا فلا. انتهى.
وعلى كل، فما فعله الإمام صحيح، وكذلك يفعل المنفرد لو حصل له ذلك فلم يتذكر جلسة الوسطى إلا بعد انتصابه قائما.
والله أعلم.