عنوان الفتوى : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب اللون الاخضر؟
أريد أن أعرف إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب اللون الأخضر أم لا؟
الحمد لله.
لم يرد خبر صحيح ينص على محبة النبي صلى الله عليه وسلم للون الأخضر، بل الوارد في ذلك ضعيف.
روى البزار في "المسند" (13/458)، قال: حَدَّثنا الحسن بن يَحْيَى، حَدَّثنا إسحاق بن إدريس، حَدَّثنا سُوَيْدٌ، عَن قَتادة، عَن أَنَس: " أَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم كَانَ يُحِبُّ الْخُضْرَةَ، -أَوْ قَالَ - كَانَ أَحَبُّ الأَلْوَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم الْخُضْرَةَ".
ثم قال البزار رحمه الله تعالى: "لَا نعلَمُ أحَدًا يَرْوِيهَا، عَن قَتادة، عَن أَنَس إلاَّ سُوَيْدٌ أَبُو حَاتِمٍ " انتهى.
لكن سويدا متكلم في حديثه عن قتادة.
قال ابن عدي رحمه الله تعالى:
" ولسويد غير ما ذكرت من الحديث، عَن قَتادَة وعن غيره، بعضها مستقيمة، وبعضها لا يتابعه أحد عليها، وإنما يخلط على قتادة، ويأتي بأحاديث عنه لا يأتي بها أحد عنه غيره، وَهو إلى الضعف أقرب " انتهى من "الكامل" (4/489).
والراوي عنه وهو إسحاق بن إدريس: ضعيف، متروك الحديث.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" إسحاق بن إدريس الأسواري البصري روى عن: هشام وسويد أبي حاتم...
سمعت أبي يقول: تركه على ابن المديني.
سألت أبي عنه، فقال: ضعيف الحديث.
سئل أبو زرعة عنه، فقال: واهي الحديث، ضعيف الحديث؛ روى عن سويد بن إبراهيم وأبي معاوية أحاديث منكرة " انتهى من "الجرح والتعديل" (2/213).
وقد رواه ابن عدي في "الكامل" (4/346)، عن أَبي بَكْرٍ الْهُذَلِيّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَنَسٍ إِلَى أَرْضٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: الزَّاوِيَةُ، فَقَالَ حَنْظَلَةُ السَّدُوسِيُّ: مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الْخُضْرَةَ، فَقَالَ أَنَسٌ: "كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَحَبَّ الْأَلْوَانِ إِلَى اللَّه الْخُضْرَةُ".
لكن أبا بكر الهذلي متروك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" أبو بكر الهذلي، قيل اسمه سُلمى - بضم المهملة - ابن عبد الله، وقيل روح؛ أخباري متروك الحديث " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 625).
وقد رواه ابن عدي في "الكامل" (4 / 420)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (6/39) و(8/ 81): عن إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيّ، قَالَ: حدثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " كَانَ أَحَبُّ الْأَلْوَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُضْرَةَ".
وقال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، وَلَا عَنْ سَعِيدٍ إِلَّا مَعْنٌ: تَفَرَّدَ بِهِ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ " انتهى.
وسعيد قد ضُعّف وتكلِّم في رواياته عن قتادة.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" سعيد بن بشير صاحب قتادة، وثقه شعبة، وقال البخاري: يتكلمون في حفظه. وقيل كان قدريا. ضعّفه أبو مسهر، وابن المديني، وابن معين " انتهى من "المغني" (1 / 256).
وقال ابن حبان رحمه الله تعالى:
" سعيد بن بشير مولى بني نصر، من أهل دمشق كنيته أبو عبد الرحمن، وقد قيل أبو هشام، يروي عن قتادة وعمرو بن دينار... وكان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، يروي عن قتادة ما لا يتابع عليه... " انتهى من "المجروحين" (1/319).
ولم يتابعه إلا ما سبق من طرق، وفيها من هو متروك الحديث.
وقد ورد عند أبي داود (4065)، والترمذي (2812 ) عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ).
وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ " انتهى.
لكن مجرد لبسه لا يدل على أنه اختار هذا اللون من باب المحبة، ولا أنه كان أحب الألوان إليه، صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان زاهدا في الدنيا، يأكل ويلبس ما تيسر له في بلده، ولا يتكلف البحث عن لباس أو أكل معيّن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطعم ما يجده في أرضه، ويلبس ما يجده، ويركب ما يجده، مما أباحه الله تعالى، فمن استعمل ما يجده في أرضه فهو المتبع للسنة " انتهى. "مجموع الفتاوى" (21 / 316).
ولمزيد الفائدة حول هذه النقطة راجع جواب السؤال رقم: (126692).
لكن ورد الإرشاد إلى الثياب البيض، كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ ) رواه أبو داود (4061) والترمذي (994)، وقال: "حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
جاء في "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تفضيل الثياب البيض على غيرها من الألوان، وأما الألوان الأخرى فلم يثبت في تفضيلها شيء، والمشروع للمسلم أن يلبس ما تيسر له، ولا يتكلف في ذلك وهذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم، مع ترك لبس ثياب الشهرة، أو ما فيه تشبه بالنساء أو الكفار، أو فيه مخالفة للدليل الشرعي.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (24/18).
وعلى ذلك، يمكن أن يقال: إن أحب الألوان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في الثياب خاصة: هو البياض، لا الأخضر من الثياب أو غيرها.
ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (2943).
والله أعلم.