عنوان الفتوى : هل تشرع صلاة الظهر بعد الجمعة أو التنفل بعد أذان الجمعة؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لاحظت في مساجد قبرص الشمالية أنه بعد إقامة الصلاة يقومون بصلاة أربع ركعات، وليست بتحية المسجد، ولم أسمع عنها قبل ذلك، حتى في صلاة الجمعة يقومون بعد الخطبة والأذان بصلاة ركعات، لا أعرف معناها، ولكن يعني في الصلاة يقومون بالصلاة المتعارف عليها، وقررت أن أصلي فقط في البيت؛ لأنني لا أعرف ما حكم هذه الركعات، وكذلك أثناء الركوع والسجود يقومون بها بسرعة جدا، فهل علي أن أصلي معهم جماعة، أم أكتفي بالصلاة في البيت؟

مدة قراءة الإجابة : 12 دقائق

الحمد لله.

أولاً:

الوصف الذي ورد في السؤال يحتمل أكثر من صورة:

الصورة الأولى: أنهم يصلون بعد الأذان وقبل إقامة الصلاة أربع ركعات.

وصلاة أربع ركعات بعد الزوال وقبل الظهر، وردت به السنة.

فعن عبد الله بن السائب: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَال:  إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ الترمذي (478) وصححه الألباني.

وروى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَالَ:" سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنْ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي ‌قَبْلَ ‌الظُّهْرِ ‌أَرْبَعًا. ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ. ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ..." مسلم (105).

واختلفوا هل هي سنة الظهر القبلية، أم أنها سنة خاصة تصلى بعد الزوال. وقد سبق جواب ذلك مفصلا في الموقع فلينظر(347528)، (161327).

الصورة الثانية: أنهم يصلون أربع ركعات بعد الأذان الثاني وشروع الخطيب في الخطبة

وهذه الصلاة يصلونها على أنها سنة الزوال، أو سنة الظهر القبلية.

وأياً كانت تلك الصلاة فإنه لا يجوز لمن كان في المسجد الشروع بصلاة نفل.

قال ابن حجز رحمه الله: " وقد اتفقوا على أن من كان داخل المسجد يمتنع عليه التنفل حال الخطبة"

وجاء في الموسوعة الفقهية: " ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة التنفل عند خروج ‌الخطيب إلى المنبر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا قلت لصاحبك أنصت - والإمام يخطب - فقد لغوت.

دل الحديث على أن من يأمر غيره بالإنصات، كان أمره لغوا من ‌الكلام منهيا عنه، فإذا كان الأمر بالإنصات - وهو أمر بمعروف - لغوا من ‌الكلام منهيا عنه، كان التنفل لغوا من الأعمال منهيا عنه، أضف إلى ذلك أن التنفل يفوت الاستماع إلى ‌الخطيب الذي هو واجب، فلا يترك الواجب من أجل النفل" "الموسوعة الفقهية الكويتية" (7/ 184).

وهذه الكراهة كراهة تحريم، كنا جاء في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج: "‌وكره ‌تحريما ‌بالإجماع: ‌تنفل ‌أحد ‌من ‌الحاضرين بعد صعود الخطيب على المنبر وجلوسه عليه" انتهى من "تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي" (2/ 455).

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن الصلاة بعد أذان الجمعة الثاني. فأجاب:"

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأما الجمعة فليس بعد أذانها صلاة، لأنه إذا أذن فإنما يؤذن بين يدي الخطيب، والخطيب إذا فرغ المؤذن من أذانه شرع في الخطبة، فلا يمكن أن يقوم الإنسان يصلى بعد أذان الجمعة الثاني" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/ 2 بترقيم الشاملة).

الصورة الثالثة: أنهم يصلون أربعا بعد صلاة الجمعة مباشرة.

وعلى هذه الصورة، فما يفعله هؤلاء أمر قديم استقر في بعض البلاد التي تتبع المذهب الحنفي، وبعض الشافعية؛ وذلك اتباعا لما ذكره طائفة من فقهاء المذهبين: من لزوم صلاة الظهر بعد الجمعة وجوباً أو احتياطاً. وذلك خشية من عدم صحة صلاة الجمعة لتعددها في البلد الواحدة.

قال الخطيب الشربيني، رحمه الله: " فالاحتياط لمن صلى جُمُعَة بِبَلَد تعدّدت فِيهِ الْجُمُعَة، بِحَسب الْحَاجة، وَلم يعلم سبق جمعته: أَن يُعِيدهَا ظهرا؛ فَلَو سبقها جُمُعَة فِي مَحل لَا يجوز التَّعَدُّد فِيهِ: فالصحيحة السَّابِقَة، لِاجْتِمَاع الشَّرَائِط فِيهَا، واللاحقة بَاطِلَة.." انتهى، من "الإقناع" (1/181).

وقال في "فتح المعين": " وسئل البلقيني عن أهل قرية لا يبلغ عددهم أربعين، هل يصلون الجمعة أو الظهر؟ فأجاب - رحمه الله -: يصلون الظهر على مذهب الشافعي.

وقد أجاز جمع من العلماء أن يصلوا الجمعة، وهو قوي، فإذا قلدوا - أي جميعهم - من قال هذه المقالة، فإنهم يصلون الجمعة.

وإن احتاطوا فصلوا الجمعة ثم الظهر كان حسنا" انتهى، من "إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين" (2/70).

لكن الصحيح أن هذه الصلاة من البدع التي لم يرد بها الشرع، وقد تعقب الأئمة المحققون على فقهاء الحنفية الذين ذكروا ذلك، وبينوا عدم مشروعية هذه الصلاة، لا وجوبا ولا احتياطاً.

قال الشيخ العلامة جمال الدين القاسمي رحمه الله: "جاء في "‌القنية" من كتب الحنفية ما مثاله: لما ابتلي أهل مرو بإقامة الجمعتين بها مع اختلاف العلماء في جوازهما -ففي قول أبي يوسف والشافعي ومن تابعهما باطلتان إن وقعتا معًا وإلا فجمعة المسبوقين باطلة- أمر أئمتهم بأداء الأربع بعد الجمعة حتمًا احتياطًا. ا. هـ.

قال ابن نجيم: يصح أداء الجمعة في مصر واحد بمواضع كثيرة وهو قول أبي حنيفة ومحمد وهو الأصح لأن في الاجتماع في موضع واحد في مدينة كبيرة حرجاً بيناً. ... فما في "‌القنية" مبني على القول الضعيف المخالف للمذهب -يعني عدم جواز تعددها في مصر واحد- ثم قال: مع ما لزم من فعلها -يعني الظهر- من المفسدة العظيمة، وهو اعتقاد الجهلة أن الجمعة ليست بفرض لما يشاهدون من صلاة الظهر فيظنون أنها الفرض وأن الجمعة ليست بفرض" انتهى من "إصلاح المساجد من البدع والعوائد" (ص49).

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: بلدة فيها نحو من ‌خمسة ‌وثلاثين ‌مسجدا تؤدى فيها صلاة الجمعة فإذا فرغ المصلون من الجمعة صلوا بعدها الظهر، فهل هذا الفعل جائز أم لا؟

الجواب: قد علم من الدين بالضرورة وبالأدلة الشرعية أن الله سبحانه لم يشرع يوم الجمعة في وقت الظهر إلا فريضة واحدة في حق الرجال المقيمين المستوطنين الأحرار المكلفين وهي صلاة الجمعة، فإذا فعل المسلمون ذلك فليس عليهم فريضة أخرى لا الظهر ولا غيرها بل صلاة الجمعة هي فرض الوقت.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والسلف الصالح بعدهم لا يصلون بعد الجمعة فريضة أخرى، وإنما حدث هذا الفعل الذي أشرتم إليه بعدهم بقرون كثيرة، ولا شك أنه من البدع المحدثة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم.

ولا شك أن صلاة الظهر بعد الجمعة أمر محدث ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم فيكون مردودا ويدخل في البدع والضلالات التي حذر منها المصطفي صلى الله عليه وسلم، وقد نبه أهل العلم على ذلك...

فإن قال قائل : إنما نفعل ذلك احتياطا وخوفا من عدم صحة الجمعة، فالجواب أن يقال لهذا القائل: إن الأصل هو صحة الجمعة وسلامتها وعدم وجوب الظهر بل وعدم جوازها في وقت الجمعة لمن عليه فرض الجمعة، والاحتياط إنما يشرع عند خفاء السنة ووجود الشك والريب، أما في مثل هذا فليس المقام مقام شك بل نعلم بالأدلة أن الواجب هو صلاة الجمعة فقط فلا يجوز غيرها بدلا منها ولا مضموما إليها على أنه عمل يقصد منه الاحتياط لصحتها، وإيجاد شرع جديد لم يأذن به الله، وصلاة الظهر في هذا الوقت مخالف للأدلة الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة فوجب أن يترك ويحذر، وليس لفعله وجه يعتمد عليه؛ بل ذلك من وساوس الشيطان التي يمليها على الناس حتى يصدهم بها عن الهدى، ويشرع لهم دينا لم يأذن به الله.

والخلاصة: أن صلاة الظهر بعد الجمعة بدعة وضلالة وإيجاد شرع لم يأذن به الله فالواجب تركه والحذر منه وتحذير الناس منه والاكتفاء بصلاة الجمعة، كما درج على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده والتابعون لهم بإحسان إلى يومنا هذا وهو الحق الذي لا ريب فيه، وقد قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها). وهكذا قال الأئمة بعده وقبله. والله الموفق" انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (12/ 363).

ثانياً: ترك الجمعة لوجود بدعة.

لا يجوز لك ترك صلاة الجمعة في المسجد بحجة فعلهم لهذه البدعة، وذلك أن البدعة التي أشرت إليها لا تستدعي ترك الصلاة معهم، لأنها من البدع العملية المنفكة عن صلاة الجمعة، ولا تؤثر على صحتها. فصلِّ معهم الجمعة ثم انصرف، ولا توافقهم على فعل هذه البدعة.

قال البخاري رحمه الله في صحيحه (كتاب الجماعة والإمامة): "باب: إمامة المفتون والمبتدع"

وقال الحسن: (صلِّ ‌وعليه ‌بدعته).

ثم روى فيه (695) : عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، - وَهُوَ مَحْصُورٌ - فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ، وَنَتَحَرَّجُ؟ فَقَالَ: ( الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ ).

وهذا نص صريح من عثمان رضي الله عنه، فالإمام الذي كان يصلي بالناس: كان إمام فتنة، خارجيا، خرج ظلما على الإمام الراشد عثمان، رضي الله عنه، ومع ذلك أمر عثمان رضي الله عنه بالصلاة خلفه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا ‌خلف المبتدع أو الفاجر، كالجمعة التي إمامها ‌مبتدع أو فاجر، وليس هناك جمعة أخرى، فهذه تصلى ‌خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة. وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/280).

‌‌على أننا نلتمس العذر لهؤلاء ، لأنهم قلدوا بعض العلماء الذين أفتوا بذلك ، كما سبق. والواجب عليهم الرجوع إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذي هو أحسن الهدي.

والله أعلم.