سُنةٌ نبويِّةٌ غائبةٌ .. فهل نُحييها ؟؟
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد : فإن من السُنن النبوية المباركة التي تكاد تكون غائبةً إلى حدٍ ما عن واقع الكثيرين في زماننا سُنةٌ نبويةٌ عظيمة الأجر سهلة التطبيق ، وتتمثل هذه السُنّة في جلوس الإنسان في مكان صلاته من بعد صلاة الفجر حتى تطلُع الشمس وهو وقتٌ قصيرٌ نسبيًا لا يتجاوز الساعة إلا بقليلٍ ، والانشغال خلال هذا الوقت بذكر الله تعالى وطاعته . وبيان ذلك يتضح فيمـا جاء الحث عليه على لسان معلم الناس الخير الذي أرشد في عددٍ من الأحاديث النبوية الشـريفة إلى فضل جلوس الإنسان في مصلاه بعد صلاة الفجر حتى تطلُع الشمس ، والانشغال خلال هذا الوقت بذكر الله تعالى ، وتلاوة القرآن الكريم ، أو تدارس العلم النافع ، أو نحو ذلك مما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمـال الصالحة .
وقد نصّت بعض الأحاديث الشـريفة على أن جلوس العبد بعد صلاة الفجر في مُصلاه حتى تطلع الشمس ( سُنةٌ نبويةٌ ) يُكافئُ الله عليها بالأجر العظيم والثواب العميم ، فهناك الكثير من الروايات التي تُبيّن في مجموعها فضل من يجلس بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس في مُصلاه ذاكرًا لله تعالى ، ثم يختم مجلسه بأداء صلاة الضحى ، ويتمثل هذا الفضل في أمورٍ ثلاثةٍ جاء الإخبار عنها والوعد بها على لسان نبينا وحبيبنا محمدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهي :
( أولاً ) أن يكتب الله له أجرًا مثل أجر الحج والعمرة ، إلا أن ذلك الأجر لا يغنى المسلم عن أداء الحج والعمرة .
( ثانيًا ) أن يغفر الله ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر .
( ثالثًا ) أن يُدخله الله الجنة ولا تمسُ جسده النار .
أما الأحاديث الدالة على ذلك الفضل فكثيرةٌ جدًا ، ومنها :
= جاء في حديثٍ حسنٍ صحيحٍ عن جابر بن سمرة ، أنه قال : " كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا صلَّى الفجر قعد في مُصلاَّه حتى تطلُع الشمس " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 585 ، ص 150 ) .
= وجاء في حديثٍ حسنٍ مرفوعًا عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) : " من صلَّى الغداة في جماعة ثم قعد يذكُر الله حتى تطلُع الشمس ، ثم صلَّى ركعتين ، كانت له كأجر حَجَّةٍ وعُمرة " .
قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " تامةٍ ، تامةٍ ، تامة " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 586 ، ص 150 ) .
= وجاء عند الطبراني : " انقلب بأجر حجة وعمرة ".
= وروى الطبراني مرفوعًا ورواته ثقات : " من صلَّى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنت الصلاة ، يعني ترتفع الشمس كرمحٍ كان بمنزلة حجةٍ وعمرةٍ مُتقبلَتين " .
= وقال ابن عمر ( رضي الله عنهما ) : وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى يمكنه الصلاة ( أي الضُحى ) .
= وفي رواية للطبراني مرفوعًا : " من صلى الصبح في جماعةٍ ثم يثبت حتى يسبح الله سبحة الضُحى كان له كأجر حاجٍ ومعتمرٍ تامًا له حجه وعمرته ".
= وفي رواية للإمام أحمد وأبي داود وأبي يعلي مرفوعًا : " من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرًا ، غُفرت خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر " .
= وفي راوية لأبي يعلى : " وجبت له الجنة ".
= وفي رواية لابن أبي الدنيا مرفوعًا : " من صلى الفجر ثم ذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس لم يمس جلده النار أبدًا " .
وعلى كل حال ؛ فإن هذه الروايات تؤكد في مجموعها – بمـا لا يدع مجالاً للشك - أن جلوس الإنسان بعد أداء صلاة الفجر في مصلاه أو مسجده الذي صلى فيه مُنشغلاً بذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ، ثم صلاته ركعتي الضحى ( سنةٌ نبويةٌ ) عظيمة الفضل كثيرة الأجر ، وأن علينا جميعًا أن نعرفها ، وأن نحرص عليها ، وأن نُحافظ على أدائها ، وأن نتواصى بتطبيقها في حياتنا بين فترةٍ وأُخرى ؛ فلعل الله أن يقبلها منّا ، وأن يُثيبنا عليها .
كمـا أن من الواجب علينا أن نُعوِّد عليها الأهل والأبناء وأن نربيهم على أدائها وأن نُشجعهم على ممارستها بين حينٍ وآخر حتى نكون - بإذن الله تعالى – مـمن يُحيي هذه السُنة النبوية ويكسب أجرها وثوابها ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
أ .
د / صالح بن علي أبو عرَّاد