عنوان الفتوى : كيفية التعامل مع الشعور الدائم بالقلق
في بداية الامر انا فتاة حديثة التخرج، مؤخرة و بعد فترة من الجلوس في البيت و لإرتياح من تعب الدراسة، و بعد شهور بدأت ان اعيش نفس الروتين اليومي و هو ان اصحى، اكل، اجلس مع الاهل، و اذهب للنوم. اضافة اني بدات افقد الشغف لعمل اقل شئ، اذا كان المساعدة في الاعمال المنزلية او مشاهدات الافلام او المسلسلات او حتى الخروج مع الاصدقاء (مع العلم اني لما اكون ابدا شخص انطوائي). بدأت الافكار الوسواسية تراودني انه لا جدوى من الحياة و ان اليوم سيتكرر غدا و بعد غد و على هذا النحو، للذلك اتخذت خطوة إيجابية لطرد تلك الافكار و هي ان اوظب على الصلاة و قراءة جزء من القران يوميا و الحمدلله حياتي تحسنت قليلا. لكن بعد فترة، روادني الشعور أن اجلي قريب (مع العلم إني ليس لدى افكار انتحارية) و إني ما اكثرت من العبادات و الذكر ما هو الا بسبب دنو اجلي مع العلم اني على يقين تام ان الاعمار بيد الله (مع الذكر ان هذه الافكار تاتيني عند النوم او في فترات متقاطعة من اليوم) ف إذا قررت ان احتقر هذه الافكار ارجع الى الخطوة السابقة و هي ان اليوم سيتكرر غدا و ما الى هذا النحو. و إضافة للذلك انني لا يمكن انا افاتح اهلي في هذا الموضوع لانهم سيتفهون من الامر و انه ما هو الا تكاسل مني لاني لم اكون ابدا شخص ذو احزان او صاحبة مشاكل. للذلك قررت أن ابعث لكم الرسالة لعلى بعد الله -سبحانه و تعالى- أن اجد عندكم حل.
الحمد لله.
أولًا:
الشعور المستمر بالقلق، ورتابة العيش، وقلة الجدوى، وما يصاحب ذلك من الحزن والغم، كل هذه المشاعر: من الوارد أن يشعر بها أي إنسان، في أية مرحلة من مراحل حياته.
والقلق في حالتك هو يُسمَّى بقلق المخاوف، إنَّ المخاوف يمكن أن تأتي استجابة لأوضاع متنوعة. فالناس يخافون من الفشل، والمستقبل، وتحقيق النجاح، والرفض، والصراع، وافتقار الحياة إلى معنى والذي يسمى أحيانًا بالقلق الوجودي، والمرض، والموت، والوَحدة، وأشياء أخرى حقيقية أو وهمية.
ثانيًا:
على الرغم من كون القلق أحد المشاعر المتفهَّمة، واردةِ الحدوث؛ إلا أن عواقبه لا يُستهان بها، وإذا وعينا لعواقبه أمكننا أن ندرك أهمية الحاجة لتنظيمه وإدارته، ومن عواقب القلق:
* العواقب الجسدية:
من المعروف على نطاق واسع أنَّ الضغط العصبي والقلق الشديدين يمكن أن يتسبّبا في القرحة، حتى عند الشباب، ولكنْ هنالك آثار جسدية ممكنة أخرى للقلق ليست معروفة بنفس الدرجة، وهي الصداع، والطفح الجلدي، وأوجاع الظهر، والاضطراب المعوي، وضيق التنفس، والأرق، والإجهاد، وفقدان الشهية.
وفضلًا عن ذلك، فإنه يمكن للتغيرات في ضغط الدم، ولتوتر العضلات، والتغيرات الهضمية والكيماوية التي يسببها القلق، إذا استمرّت، أن تسبب أذىً شديدًا.
* العواقب السلوكية:
فعندما يتنامى القلق، فإن معظم الناس يميلون بشكل غير واعٍ إلى الاعتماد على السلوكيات والأفكار التي تخفف ألم القلق، وتمكنهم من التحمل. ومن هذه السلوكيات الي يمكن أن يدفع إليها الشعور بالقلق: السعي إلى الراحة في النوم، أو المخدرات، أو الخمور، أو محاولة إنكار عمق القلق نفسه.
وقد يصبح بعضهم سيئ الطبع على غير العادة، واضعين اللوم على الآخرين بسبب مشاكلهم الخاصة، أو قد ينفجرون في نوبات غضب طفولية عند أدنى استفزاز.
* العواقب الروحية:
يمكن أن يدفعنا القلق إلى طلب معونة الله في مجال معيّن، وهو أمر ربما لا نفعله في غياب القلق.
لكن يمكن للقلق أيضًا أن يبعدنا عن الله، عندما نكون في أمس الحاجة إليه. فقد يجد حتى الأشخاص المتدينون حين يعصرهم الهمُ، وتلهيهم الضغوطات، أنهم لا يقضون وقتًا كافيًا في الصلاة، وأنَّ قدرتهم على التركيز في الطاعات قد ضعُفت.
* العواقب النفسية:
ويمكن للقلق أن يسبب ارتفاعًا في عدد من الاضطرابات، مثل:
ردود الفعل المتسمة بالخوف المرضي، وتشمل ردود الفعل هذه: الخوف من الأماكن المزدحمة، والمواقف التي يمكن أن يكون فيها الهرب صعبًا (agoraphobia)، والخوف المرضي من الأماكن المغلقة (claustrophobia)، والخوف المرضي من الأماكن المرتفعة (acrophobia)، ومخاوف اجتماعية مرضية متنوعة.
اضطراب فقدان الشهية والشره. تتسم هذه الاضطرابات بالقلق حول وزن الشخص ومظهره.
اضطرابات الحركة. يمكن أن تكون تقلصات العضلات اللاإرادية مرتبطة بالقلق.
ثالثًا:
الذي يظهر لنا هو أن مرورك بهذه المشاعر المؤلمة له صلة بتغير نمط حياتك إلى نمط جديد، يتسم بغموض الخارطة المستقبلية، وأنك تحتاجين إلى شبكة أهداف تضيفينها لحياتك، وتبدأين في التحرك صوب هذه الأهداف، ففترة الراحة من الدراسة، من الأنسب لها أن تنتهي وأن تنتقلي لفترة جديدة تنشغلين فيها بعمل نافع، سواء كان عملا مهنيًا أو عملًا تطوعيًا، مع استعادتك للصلة بصديقاتك، وزيارة أرحامك وتوثيق العلاقة بوالديك وإخوتك، والاهتمام بتعلم العلم الشرعي، ونحو ذلك من المشاغل الدينية والدنيوية والتي تستفز طاقاتك، وتشعرك بمعنى الحياة وغاية العيش.
رابعًا:
هناك نصائح متداولة في المراجع النفسية للتعامل مع القلق، نوجزها لك في النقاط التالية:
1- حاولي أن تتحدثي عن مخاوفك وأسباب قلقك بإسهاب، قدر ما تستطيعين التعبير عن مثل هذه الأمور. واحرصي قدر الإمكان على ألّا يكون هناك مقاطعة، ولا تستخفي بأسباب قلقك؛ وتجنبي أن ترددي عبارات مثل، هذه مشكلة لا تستحق أن يقلق الإنسان بشأنها! ، حاولي التعبير عن نفسك، وذلك بالإجابة عن الأسئلة التالية:
* ما هي الأشياء التي تسبب لك أكبر قدر من الهمّ؟
* ما هي الأشياء التي تخيفك أكثر من غيرها؟
* ما هي الهموم التي تبدو غير ضرورية لديك؟
* ما هي الهموم التي تبدو واقعية؟
* هل تكونين أكثر قلقًا أو توترًا في أوقات معينة؟ في أماكن معينة؟ عندما تكونين مع أشخاص معينين؟
* هل هنالك أوقات معينة تغيب فيها مشاعرك هذه؟
* هل حاولتِ أن تتغلبي على مشاعرك هذه أو تواجهيها؟ كيف؟
2- بعد تحدثك عن شعورك بالقلق، أهم ما تحتاجين لفعله هو أن ترفقي بنفسك، وتتعاطفي معها، وتأكدي أنك لست وحدك في هذه المشاعر التي تشعرين بها.
* ما تحتاجينه بعد ذلك هو أن تتقبلي نفسك، وتقدمي لها المحبة، فإن المحبة عدو الخوف، فقدميها لنفسك، وابحثي في محيطك عن العلاقات التي تشعرين فيها أنك محبوبة ومقدرة.
3- توجهي إلى الطريق الصحيح.. يجب ألا يكون هدفك استئصال كل القلق من حياتك؛ فلن يكون هذا أمرًا ممكنًا. بل يجب أن يكون هدفك تسليح نفسك للتعامل بنجاح مع القلق.
ويمكن أن يتم هذا عن طريق:
1- الاعتراف بقلقك، وفهم سببه، والتصميم على أن تتعلّمي كيفية التغلّب عليه.
2- ضعي مخاوفك بين يدي الله، واحصلي على الأمان والسلام في اليقين أن الله يرعاك.
3- تحويل اهتمامك عن نفسك إلى الآخرين؛ فعندما يُبعد الفرد ذهنه عن مشاكله الخاصة، وينتقل إلى الاهتمام بمساعدة الآخرين، فإن قلقه غالبًا ما يقل.
4- ملازمة ذكر الله جل جلاله، وتلاوة كتابه الكريم، والنظر فيه، وسماعه، كلما كان ذلك ممكنا، مع تنويع الوسائل المعينة على ذلك؛ فقد قال الله تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28 .
ومن الأذكار العظيمة، لا سيما للمحزون والمهموم: الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فعن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ) قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: ( مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: (إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ) أخرجه أحمد (21241)، والترمذي(2457) وقال: "هذا حديث حسن".
5- الصلاة والدعاء والاستعاذة ؛ فالصلاة تريحنا من القلق. ويجب أن تكون الصلاة هي استجابتنا الطبيعية في لحظة بدء القلق بالتصاعد.
فعن حذيفة رضي الله عنه، قال: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى) أخرجه أبو داود (1319)، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1319).
وكذلك الدعاء، فهو من أعظم ما يتوسل به العبد إلى ربه ، ويصله به في الهموم والمخاوف، والآلام النفسية والبدنية. ومن أشرف الدعاء في هذه الحالة، دعوة ذي النون، يونس عليه السلام؛ فبمثل هذه الدعوة العظيمة، وما فيها من معنى توحيد الله جل جلاله، واعتراف العبد بذنبه، ولجوئه إلى ربه؛ بمثل ذلك يشكف الهم عن العباد. قال الله تعالى: ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء/87-88
وعَنْ سَعْد بن أبي وقاص، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ رواه الترمذي (3505)، والإمام أحمد في "المسند" (3 / 65)، وحسنه محققو المسند، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2 / 282).
وينظر جواب السؤال رقم (318430)
وكذلك الاستعاذة بالله من الهم والغم، فعن أنس رضي الله عنه قال: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) أخرجه البخاري (2893)، ومسلم (1365).
6- ضعي خطة عمل.. ضعي خطة للتعامل مع الضغط النفسي والقلق، مثل الأساليب التي اقترحها مينيرث وميير، في كتابهما السعادة اختيار ومنها:
1- قومي بتمارين رياضية كافية، وثلاث مرات أسبوعيًا هو الترتيب المثالي.
2- احصلي على قسط وافر من النوم، يحتاج معظم الناس إلى ثمانِ ساعات من النوم كل ليلة.
3- افعلي ما في وسعك للتعامل مع الخوف، أو المشكلة المسببّة للقلق، وابحثي عن بدائل مختلفة أو حلولٍ محتملة وجرّبي واحدًا منها.
4- تحدّثي مع صديقة حميمة عمّا يحبطك، مرة واحدة أسبوعيًا على الأقل.
5- قومي بنشاطات ترفيهية، افعلي ذلك من مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا.
6- عيشي حياتك يومًا فيومًا؛ فإن تعلّم كيفية العيش يومًا فيومًا فنّ يمكن إتقانه. وعلى الأرجح أنَّ 98 بالمئة من الأشياء التي نقلق بشأنها، ونهتمّ لها لن تحدث أبدًا!!
7- تخيّلي أسوأ شيء يمكن أن يحدث، ثم فكّري: لماذا لن يكون على هذه الدرجة من السوء لو حدث.
8- لا تؤجلي القيام بالواجبات، فإن من شأن تأجيل القيام بها أن يتسبب في مزيد من القلق.
9- ضعي حدًا زمنيًا لهمومك.
7- قراءة كتاب: جدد حياتك للشيخ محمد الغزالي، وكتاب لا تحزن للشيخ عائض القرني، وكتاب: دع القلق وابدأ الحياة لديل كارنيجي.
8- البحث عن مساعدة متخصصة.
إذا أصبحتِ أكثر قلقًا، رغم جهودك، فربما يكون ضروريًا لك أن تفكري في طلب المساعدة المتخصصة من طبيبة نفسية، خاصة إذا كان القلق متقدمًا إلى درجة تزيد معها الاضطرابات ونوبات الفزع.
وختامًا: نسأل الله أن يشرح صدرك ويكشف عنك الهم والغم.
وينظر جواب السؤال رقم: (21677)، وجواب السؤال رقم: (257572).
والله أعلم