عنوان الفتوى : واجب من قال لصاحبه: تعال أقامرك
السؤال
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من قال لأخيه تعال أراهنك، فليتصدق بشيء. ما حكم من قال: أراهنك، لكن بغير قصد المراهنة؛ كيمين اللغو مثلا. تأتي على اللسان بدون قصد، وهذه الكلمة منتشرة في بلدي. مثلا: أراهنك أو نتراهن، لكن لا يُقصد المراهنة، بل مجرد كلام؛ كيمين اللغو تجري على اللسان. فهل هذا يدخل في الحديث؟ وهل الحديث يدل على الوجوب أم الاستحباب؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ولفظه: ومن قال لصاحبه تعال أقامرك، فليتصدق.
وأما لفظة "أراهنك" فلم ترد في كتب الصحاح، وعلى أي حال، فلا ينبغي للمسلم أن يطلب الرهان، ولو كان مازحا، والذي يفهم من كلام شراح الحديث هو أن الصدقة تلزم من طلب المقامرة، وهو عازم على الفعل.
قال ابن بطال في شرح البخاري: من جرى مثل هذا القول على لسانه، ونواه قلبه وقت قوله... اهــ.
وقال القاضي عياض في إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم: لما نوى بذل مال في غير طريق جائز وإخراجه من يده واعتقد ذلك، كان كفارة اعتقاده ونيته أن يتصدق بمال يخرجه عن يده في طريق البر ومسالك الشرع. اهــ.
وأما هل الأمر بالصدقة على سبيل الوجوب أم على سبيل الاستحباب؟ فقولان لأهل العلم، منهم من يرى الوجوب.
قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل: وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا. اهــ، وكذا قال القرطبي في المفهم.
ومنهم من يرى أن الأمر على سبيل الاستحباب. قال ابن بطال: من قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق فهو محمول عند الفقهاء على الندب لا على الإيجاب، بدليل أنه من أراد أن يعصي الله ولم يفعل ذلك فليس عليه صدقة ولا غيرها.
وقال أيضا: ندب من جرى مثل هذا القول على لسانه، ونواه قلبه وقت قوله أن يتصدق، خشية أن تكتب عليه صغيرة أو يكون ذلك من اللمم. اهــ
وفي حاشية السندي: وَالْأَمر للنَّدْب. اهـ، وتعقبه الشيخ محمد آدم الإثيوبي في شرح سنن النسائي المسمى «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» : وأما ما قاله السنديّ تبعًا لغيره من أن التصدّق مندوب، غير صحيح، بل الأصحّ أنه واجب، كما تقدّم تحقيقه في كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-. اهــ
ولا شك أن الأحوط والأبرأ لمن وقع في هذا الأمر أن يتصدق امتثالا للأمر النبوي، وإبراء للذمة، ثم إن العلماء اختلفوا في المقدار المأمور التصدق به. فمنهم من قال يتصدق بالمال الذي كان عازما على المقامرة به، ومنهم من قال يتصدق بأيِّ شيء من غير تحديد معين، وهو الأقرب؛ إذ لم يحدد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا، وإنما قال: فليتصدق.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِمِقْدَارِ مَا أَمَرَ أَنْ يُقَامِرَ بِهِ، وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِمَا تَيَسَّرَ مِمَّا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّدَقَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ، فَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ. اهـ.
والله أعلم.