عنوان الفتوى : هل ثبت أن سورة الشمس تتلى لتحصيل التوفيق؟
ما صحة أن من كان قليل التوفيق فليدمن قراءة سورة الشمس، يوفّقه اللّه أينما توجّه، وفيها منافع كثيرة، وحفظ وقبول عند جميع الناس، وهل هو حديث في الأصل؟
الحمد لله.
أولا:
لم نقف على خبر بهذا المعنى.
ولم نقف – كذلك - على حديث أو أثر، فيه فضل خاص لقراءة سورة الشمس، أو حفظها.
ثانيا:
سورة الشمس سورة جليلة، بدأت بجمل متتالية من قسم الله جل جلاله، بعظيم مخلوقاته الظاهرة للعيان، التي هي آيات من آيات عظمته، وقدرته، وتدبيره لخلقه، وربوبيته لهم، وإصلاحه لأمرهم؛ تنبيها لتقرير حقيقة عظيمة في حياة الإنسان، وعبوديته لربه:
"أن تزكية النفس سبب الفلاح، وأن التقصير في إصلاحها سبب الفجور والخسران".
"التحرير والتنوير" (30/366).
قال ابن سعدي، رحمه الله:
" أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة، وغيرها من النفوس الفاجرة، فقال:
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا أي: نورها، ونفعها الصادر منها.
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا أي: تبعها في المنازل والنور.
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا أي: جلى ما على وجه الأرض وأوضحه.
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا أي: يغشى وجه الأرض، فيكون ما عليها مظلمًا.
فتعاقب الظلمة والضياء، والشمس والقمر، على هذا العالم، بانتظام وإتقان، وقيام لمصالح العباد، أكبر دليل على أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه المعبود وحده، الذي كل معبود سواه فباطل.
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا يحتمل أن " ما " موصولة، فيكون الإقسام بالسماء وبانيها، الذي هو الله تبارك وتعالى، ويحتمل أنها مصدرية، فيكون الإقسام بالسماء وبنيانها، الذي هو غاية ما يقدر من الإحكام والإتقان والإحسان، ونحو ذلك قوله: وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا أي: مدها ووسعها، فتمكن الخلق حينئذ من الانتفاع بها، بجميع وجوه الانتفاع.
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا يحتمل أن المراد نفس سائر المخلوقات الحيوانية، كما يؤيد هذا العموم، ويحتمل أن المراد بالإقسام بنفس الإنسان المكلف، بدليل ما يأتي بعده.
وعلى كل، فالنفس آية كبيرة من آياته التي [هي] حقيقة بالإقسام بها؛ فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل والحركة، والتغير والتأثر والانفعالات النفسية، من الهم، والإرادة، والقصد، والحب، والبغض، وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على هذا الوجه آية من آيات الله العظيمة.
وقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح.
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسل الله.
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا أي: أشقى القبيلة، وهو "قدار بن سالف"، لعقرها حين اتفقوا على ذلك، وأمروه فأتمر لهم.
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صالح عليه السلام محذرًا: نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمة الله عليكم بسقي لبنها، أن تعقروها.
فكذبوا نبيهم صالحًا، فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ؛ أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبا، فَسَوَّاهَا عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة.
وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا أي: تَبِعَتَها.
وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه؟". انتهى، من " تفسير السعدي" (926).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |