عنوان الفتوى : هل خالف ابن تيمية أهل السنة والجماعة؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل خالف شيخ الإسلام ابن تيمية أهل السنة والجماعة، فهل يكون بذلك أراء شاذة له مخالفة لأراء أهل السنة والجماعة؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

أولًا:

أهلُ السُّنَّة والجماعة: هم أصحابُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والتابعون لهم بإحسان، وكلُّ مَن التزَمَ بمنهجهم، واقتدَى بهم، واتَّبع سبيلَهم؛ مِن المؤمنين المتمسِّكين بآثارهم إلى يوم القيامة.

وهم أهل الحديث، وأهل الأثر والسَّلف الصالح، والفِرقة الناجية، والطائفة المنصورة، الذين أخبر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنهم: إنَّ بَنِي إسرائيل افتَرَقوا على إحدى وسبعين فِرقة، وتَفتَرق أمَّتي على ثلاث وسبعين فِرقة، كُلُّها في النار إلا واحدة، فقيل له: ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليومَ وأصحابي أخرجه الترمذي(2641). 

وقد أطلق عليهم لقب: "أهل السنة"؛ لأنَّهم الآخذون بسُنَّة رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، العالمون بها، العاملون بمقتضاها. كما يقول الإمام الشافعي، رحمه الله: "القول في السُّنَّة التي أنا عليها ورأيتُ عليها الذين رأيتُهم، مثل سفيان، ومالك، وغيرهما: الإقرارُ بشهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وأنَّ الله على عرشه في سمائه، يقرب مِن خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدُّنيا كيف شاء..." نقله عنه ابن القيم في "اجتماع الجيوش" (ص165).

وأطلق عليهم لقب : "الجماعة"؛ لأنَّهم اجتمعوا على الحق، وأَخَذوا به، واقْتَفَوا أَثَرَ جماعة المسلمين المستمسكين بالسُّنَّة من الصَّحابة والتابعين وأتباعهم، واجتمعوا على مَن وَلَّاه اللهُ أمرَهم، ولم يشقُّوا عصا الطاعة، كما أمَرَهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم. ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في إحدى روايات الحديث السابق: "هم الجماعة".

ثانيًا:

أهل السنة هم كل من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قولًا وعقيدةً وعملًا.

وشيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) هو امتداد لهؤلاء، فهو علم من أعلام أهل السنة والجماعة في نهاية القرن السابع الهجري، والربع الأول من القرن الثامن الهجري.

ولا يثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية شذوذ أو مخالفة لأهل السنة والجماعة.

وقد ادعى بعض المبتدعة مخالفة شيخ الإسلام للعقيدة الصحيحة في أمور افتروها عليه، وقد قام الدكتور عبد الله الغصن بإعداد رسالته لنيل الدكتوراه حول: "دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية"، وهي مفيدة في رد هذه الافتراءات المدعاة على الشيخ، والكتاب منشور بدار ابن الجوزي بالمملكة العربية السعودية.

وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/254):

"إن الشيخ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، يدعو إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم، قد نصر الله به السنَّة، وقمع به أهل البدعة والزيغ، ومن حكم عليه بغير ذلك: فهو المبتدع، الضال، المضل، قد عميت عليهم الأنباء، فظنوا الحق باطلاً، والباطل حقّاً ، يَعرف ذلك من أنار الله بصيرته ، وقرأ كتبه ، وكتب خصومه ، وقارن بين سيرته وسيرتهم ، وهذا خير شاهد وفاصل بين الفريقين.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود".

ثالثا:

نذكر هنا بعض نصوص شيخ الإسلام ابن تيمية الدالة على تعظيمه للسنة، وتمسكه بما كان عليه أهل السنة والجماعة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف، قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، ومن خالف ذلك كان مبتدعًا عند أهل السُّنَّة والجماعة، فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة، ومتنازعون في إجماع من بعدهم"انتهى من "منهاج السُّنَّة" (2/601).

وقال رحمه الله: "... فاعتقاد أهل الحديث هو السنة المحضة؛ لأنه هو الاعتقاد الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "منهاج السُّنَّة" (2/521).

وقال رحمه الله: "أهل السُّنَّة والجماعة، هم سلف الأمة وأئمتها، ومن تبعهم بإحسان" انتهى، من "الفتاوى" (24/241).

إذا علمت ذلك فاعلم أن مذهب أهل السُّنَّة والجماعة هو الصراط المستقيم، الذي أمر المسلمون جميعًا بسلوكه واتباعه.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "... فأمر سبحانه في "أم الكتاب" التي لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، والتي أعطيها صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش، التي لا تجزئ صلاة إلا بها: أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم: كاليهود، ولا الضالين: كالنصارى. وهذا "الصراط المستقيم" هو دين الإسلام المحض، وهو ما في كتاب الله تعالى، وهو (السُّنَّة والجماعة) فإن السُّنَّة المحضة هي دين الإسلام المحض" انتهى من "الفتاوى" (3/369).

والمقصود بأهل السُّنَّة والجماعة: الاصطلاح الخاص؛ فإن للفظ أهل السُّنَّة اصطلاحين: اصطلاح العامة، واصطلاح الخاصة، فأهل السُّنَّة هم "أهل الحديث والسُّنَّة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات الله تعالى ويقول: إن القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسُّنَّة.

-والاصطلاح العام- هو اصطلاح العامة: كل من ليس برافضي، قالوا: هو من أهل السُّنَّة" انتهى، من  "منهاج السُّنَّة" (2/221).                                                                    

وينظر جواب السؤال رقم: (96323).

والله أعلم